محمد محمد الملاحي سبتمبر 10, 2023, 2:12 م

خاطرة "صراع".. خواطر وجدانية

كنتُ مسافرًا على متن طائرةٍ إلى مدينةٍ أُخرى في رحلة عمل. كان موعد الرحلة في المساء وكانت السماء مُقمرةً وغائمةً في الوقت نفسه.. وبعد طول انتظار بدأت إجراءات السفر والصعود إلى الطائرة..

تمت الخطوات المعتادة من قبل طاقم الطائرة بالتأكد من أن الركاب في مقاعدهم، والحديث عن إجراءات السلامة كربط الأحزمة وبعض التعليمات فيما يخص الإقلاع والهبوط والحالات الطارئة، والتي في الغالب لا يلقي لها الركاب بالًا.

ولكنها أصبحتْ جزءًا لا يتجزأُ من الرحلة على متن الطائرة سواءً استمع الركاب لها أم تجاهلوها. وبعد الإقلاع ساد الصمت أرجاء المقصورة.. واتجه كل شخصٍ لعالمه الخاص، فمنهم من قلب شاشة جهازه المحمول وهم كُثُر، ومنهم من غط في سباتٍ عميق، ومنهم من كان يتحدث مع الذي بجواره، ومنهم من كان يقرأ.. أما أنا فعادةً ما أنظر إلى النافذة تاركًا المجال لخيالي للانطلاق في رحاب الأفق الفسيح أمامي، كما أنها فرصةٌ للخلوة مع النفس وإعادة ترتيب الأوراق!

ولكنْ ما شدَّ انتباهي في تلك الليلة المقمرة هو ذلك المنظر الذي أسرني جمالُه.. سأحاول جاهدًا أن أنقل لكم الصورة التي رأيتها رغم علمي المسبق بأنه محال أن أصفها كما رأيتها!

نظرتُ من النافذة وكان الليلُ بهيمًا شديد السواد.. وكان البدر في تلك الليلة مكتملًا شديد البياض وكأنه حبة لؤلؤ تلمع من بعيد، يا لروعة اجتماع السواد مع البياض!

وأسفل هذا المنظر كانت السحب تغطي المكان، وكأنها رداءٌ نسجته الغيوم، انعكس نور البدر على الرداء في منظر بديع! كان جمال المنظر يغريني أنْ آخذ جهازي المحمول من جيبي لألتقط صورة لهذا المنظر الذي لا يُفَوَّتْ وأنشره في وسائل التواصل الاجتماعي مع عبارةٍ تحفيزية!

وفي أثناء ذلك دخلتُ في صراعٍ قصيرٍ مع النفس بين أن ألتقط صورة لهذا المنظر وأحفظها في ذاكرة الجهاز، أو أنْ أعيش اللحظة بكل تفاصيلها وأحفظها تلقائيًا في زوايا ذاكرتي!

بالرغم من أن الكثير من حولي كان يلتقط صورًا باستخدام أجهزتهم، إلا أني وصلتُ إلى قرارٍ نهائي وحاسم!

قررتُ ألا أدع التقنية تتدخل، كعادتها في حياتنا، بيني وبين عيش هذه اللحظة الرائعة التي بالفعل تستحق أن أستمتع بكل بتفاصيلها!

وفي النهاية كانت الكلمة لعيش اللحظة كما هي بلا أجهزة، وبعد انتهاء المعركة القصيرة أعدت جهازي إلى مكانه، ونظرتُ عبر النافذة الصغيرة إلى تفاصيل تلك اللوحة الآسرة!

بقلم محمد محمد الملاحي

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة