من منا لم يختبر شعور البلسم؟ وأعني بكلمة بلسم ذاك الشعور اللين السلس الذي يلامس شيئًا قاسيًا فيجعله لينا سهلاً.
كالشعر المجعد الذي أرهقه الهواء والحرارة والتعرُّق وجعله متداخلاً متشابكًا، فيجيء البلسم بدوره ليجعل الأمر أكثر سهولة ويسرًا ويودي بحياة التشابك حتى إشعار آخر.
كذلك الكلمة الطيبة، هي كالبلسم عندما تقع على جرح فتشفيه أو قاسٍ فتلينه أو صعب فتسهله.
كحنان الأم على وليدها، كدفء في ليلة شتاء قارس أو كشبع بعد جوع مفرط.
وعند المرور بأزمة ما كل ما تحتاجه هو هذا البلسم الذي يداوي جروح القلب ونزف الروح.
ليس بأمر صعب أن تفعله لأحد ولكن يجب أن يكون قلبك لينًا به الكثير من الرحمة ولكن من الصعب أن تجد شخصًا صادقًا يمنحك هذا الشعور، ولكن ستجد ولكن لا تأمل في الكثير.
ولولا وجود الرحمة في قلوب البعض لما شعرنا بهذا اللين ولأصبح العالم موحشًا كالغابة التي لا يقطنها إلا المفترسات، فلا وجود للرحمة ولا الشفقة فقط الصراع من أجل البقاء.
جرِّب نفسك، إذا كنت تريد الشعور بهذا البلسم، جرِّب وحاول أن تعطيه لأحد أهلكته قسوة الحياة، فكن لين الجانب هين المعشر.
جرِّب أن تعيش هذا الموقف:
لديك شخص قريب منك يعاني شيئًا يؤلمه ويشكو لك وفي أثناء حديثه وجدت أنه مخطئ في شيء ما ماذا ستفعل بدورك؟
سيكون هناك العديد من ردود الأفعال المختلفة على حسب طبيعة كل فرد.
ستجد نفسك في اختبار حقيقي لقياس مدى حبك وعطفك واحتوائك لهذا الشخص الذي ترك العالم أجمع ولجأ إليك دون غيرك، أو لقياس مدى أنانيتك وعجرفتك لأنك رأيته مخطئًا وأنت تتصيد الأخطاء حتى لأقرب الناس لك، ولن يهمك ألمه وإنما انتصارك لرأيك الصواب هو ما يهم.
لا يهم أنه أخطأ ولكن ما يهم في هذه اللحظة هو رد فعلك الذي سيكون بمثابة البلسم على جرحه وخطأه في الوقت نفسه.
رد فعلك من الممكن أن يغير خطأه ولكن من الممكن أن وجهة نظرك فقط من تراه خطأ.
لذلك يجب أن تعي أن أخطاء البعض في نظرنا هي صواب في نظرهم لأنهم فقط من يعيشون الحالة التي أودت إلى هذه النتيجة.
نحن علينا النصح لا الجلد وحتى النصح له طريقة وألف طريقة، وإذا كان هناك هجوم وتأنيب ولوم وعتاب لن تربح في نهاية المطاف وستكون أنت العدو حينها ولن تجني سوى الهجوم؛ لأنك بادرت إلى الهجوم فلتتحمل ما يحدث لأنك لم تكن لين الجانب ولم تكن النصيحة صادقة.
فالصدق والحب المنزوع من التكبر والأنانية والخالي من الانتصار للرأي ليس له طريق إلا القلب ليصل إليه.
وهناك أيضًا نصيحة صادقة تملؤها الحب الصادق، ولكن أحيانًا نحن من نتكبر لأننا لا نريد أن نرى أنفسنا بعين النقص أو العيب.
فنبادر إلى الهجوم لأننا كشفنا عن حقيقة أنفسنا التي تراوغ عن الحق وتتشبث بالرأي من أجل الانتصار لأنفسنا وندعي أننا أصحاب الحق لأننا أصحاب الأمر.
ولكن علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا أولاً حتى ننعم بالصدق والأمانة في المعاملات الحياتية.
لا تظنن الجميع لديهم نفس الرأي وإن تشابهت الآراء.
ولكن يجب أن تكون ذكيًا فطنًا في قول ما يسوءك ولمن تقول.
ليس الجميع ممن حولنا مؤهلاً لأن يكون صاحب أسرارنا ولكن مع التجربة ستكتشف من الأحق وليس شرطًا أن يكون الأقرب.
عندما تحتار في اختيار الصاحب الذي يستحق أن يكون ملاذ أسرارك، جرب ولكن كن حذرًا ولا تخبر عنك شيئًا يجعلك تقل في أعين الناس حتى وإن كانوا أقربهم إليك.
ومع مرور الأيام ستكون على دراية تامة بالأصدق والأحق في أن يكون ملاذك الآمن.
من المحتمل أن تعاني ولكن إذا كنت ذكيًا لن تكرر خطأك وستحظى بالراحة عندما تُخرج من دائرة حياتك من هم ليسوا مؤهلين أن يكونوا فيها.
وعلى صعيد آخر ستكون أنت أيضًا تحت الاختبار من أحدهم لترى إن كنت تستحق أن تكون في حياة أحد أم تستحق أن تخرج من الدائرة إلى الأبد .
عزز شعور البلسم لديك وكف عن الانتقادات التي تؤلم حتى وإن كنت محقًا، وأقبل من أمامك بكل ما يملك ولا تجعل تغييره هدفًا لأن حسن المعاملة كفيل بتغيير السيئ في الجميع دون أن نشعر.
وكما تريد أن تحظى بهذه المعاملة يجب أن تبدع في اختيار الألفاظ والكلمات المنمقة ولتتجاوز كثيرًا ولتحاول تقبل العيوب وغض الطرف عنها، فنحن بشر فهذا طبيعي أن يكون العيب فينا ولا تركز على الأخطاء لأنها ستظهر على السطح وستكون عائقًا إن لم تتعامل، وكلما حاولت أن تتجاهل العيوب اندثرت ليخلق مكانها حسنات لم ترها من قبل أو كانت بالفعل موجودة، ولكن مع حسن المعاملة ظهرت وتفوقت على العيوب.
ولا تنسَ أن تكون دائمًا بلسمًا شافيًا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.