خاطرة "سبحة أبي".. خواطر حزينة

تتمايل أغصان الأشجار يمينًا وشمالًا وهي ترقص على طرب رياح الشرق، لتصنع نسيم الفجر المختلف عن باقي فترات النهار والليل، بدأت تستيقظ العصافير الصغيرة، تغرد لصباح جديد..

إنها تسبح ليوم جديد، لم تشرق الشمس بعد، ما زال الليل يتلاشى ببطء شديد، يحاول الفجر أن ينفض غبار الظلام الحالك عن أحداث ننتظر معانقتها بخوف وشوق مختلطين.

لقد بدأت أشعة الشمس تطلُّ بين مرايا الجبال الواسعة في استحياء عفيف، إنها اللحظة التي لا يمكن أن أفوتها مهما كان الثمن، لطالما استمتعت بهذا النسيم الغربي الشرقي، الذي يحمل عطورًا فوَّاحة من أبهى الأزهار وأزكى اللقاح، لا تسألني كثيرًا عن خرير مياه الواد الذي يصب نهاية الجانب الأيسر من قريتنا، حيث يعبر وسط جداول من الحقول المنوعة للخضروات والفواكه، هذا النهر الذي أنصت بحكمة ودقة لخريره المتدفق على طول قريتنا.. 

إنه يحمل رسائل أكثر مما يعتقد البشر، إنه دائمًا يأتينا بحكم وأسرار تحل ألغازًا عن أنفسنا وحياتنا.

على رصيف العلية فوق سطح المنزل العتيد، الذي يقع أسفل الهضبة الصغيرة بقريتنا الجميلة، إنه مكاني المفضَّل، إنه ملاذي الذي يعرف عني أدقَّ تفاصيل حياتي، وأعمق أسراري. لن أنهي هذا الرابط بمجرد ذهابك يا أبي..

بين أصابعي الرقيقة التي ازدادت رقة ونحافة بعد رحيلك يا أبي، ما زلت أحملُ هذه الهدية التي تعادل كنوز الدنيا مجتمعة بالنسبة إليّ.

إنها سبحتك الملونة بين الأبيض والأخضر والأسود والأحمر، تتخللها خطوط ذهبية رقيقة، لكم أعشق أن أقلبها بين أصابعي الضعيفة، وأنا أتحسس كل بلورة منها، كلما لمستها في هذا الوقت من الفجر أشعر وكأنك بجانبي، جالس في وضعية مقوسة بعباءتك البيضاء الناصعة، وقبعتك المزركشة، وأنت تضع يديك التي جمعتهما بين ركبتيك.. وتنظر عميقًا إلى الزاوية التي بين قدميك، كأنك تعيد ذكرياتك البعيدة جدًا عن زمن وجودنا، ثم تبدأ في الحديث وأنت تهز برأسك: تحدثنا عن تلك الأيام الخوالي عندما كنت ما تزال شابًا قويًّا ومندفعًا .

لقد بدأت أشعة الشمس بالتسلل أكثر، وبدأ الصبح يتضح أكثر، وما تزال سبحتك الثمينة بين يدي، كيف لي أن أتخلى عنها؟ فهي التي تصنع في داخلي قوة للتمسك بالحياة، لا أعرف كيف!  لكنها تجعلني أبدو وكأن في داخلي شخصًا ما يحرك جسدي الثقيل الهزيل الوهن.

إني أخشى من فقدانها كما كنتُ أخشى من فقدانك تمامًا، أخشى أن تضيع مني حروف تقاسيم وجهك المتَعب الشاحب، أخشى أن أنسى كلماتك ويختفي صوتك من مسمعي، لكم أعشقُ نسيم الفجر الذي يجعل سبحتك تضيء الطريق الذي سأمشي فيه في كل نهار أستيقظ فيه وأجد نفسي ما زلت مضطرة للمضي في هذه الدنيا بدونك يا أبي!

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يوليو 5, 2023, 4:58 م

خاطرة رائعة كلمات متناسقة متجانسة
المزيد من التألق ❤️
ارجو ان تقراي مقالاتي وتعطيني رايك فيها
تحياتي 🤗
لقد تابعت حسابك ☺️

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
ديسمبر 9, 2023, 1:03 م - عايدة عمار فرحات
ديسمبر 9, 2023, 12:59 م - صفاء السماء
ديسمبر 9, 2023, 12:27 م - سلمى العمري محمد
ديسمبر 9, 2023, 11:08 ص - بورغاية رابح
ديسمبر 9, 2023, 10:46 ص - سلمى العمري محمد
ديسمبر 9, 2023, 9:14 ص - ليلى أحمد حسن مقبول
ديسمبر 9, 2023, 9:02 ص - آية محمد صادق
ديسمبر 8, 2023, 11:38 ص - نور الدين شعبو
ديسمبر 7, 2023, 11:33 ص - حبيبه شريف
ديسمبر 7, 2023, 9:03 ص - رايا بهاء الدين البيك
ديسمبر 6, 2023, 7:11 ص - لجين منير شاكر
ديسمبر 6, 2023, 5:39 ص - شيماء دربالي
ديسمبر 4, 2023, 12:50 م - عبدالله مصطفى المساوى
ديسمبر 4, 2023, 9:30 ص - ليلى أحمد حسن مقبول
ديسمبر 4, 2023, 7:21 ص - عبدالله مصطفى المساوى
ديسمبر 2, 2023, 3:30 م - قدوه نمر الشعار
ديسمبر 2, 2023, 8:20 ص - سندس إبراهيم أحمد
ديسمبر 2, 2023, 7:52 ص - نور الدين شعبو
نوفمبر 30, 2023, 11:37 ص - سمسم مختار ليشع سعد
نوفمبر 29, 2023, 2:41 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 29, 2023, 8:24 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 28, 2023, 7:06 ص - أسماء مداني
نوفمبر 27, 2023, 2:42 م - براءة عمر
نوفمبر 27, 2023, 1:17 م - عزوز فوزية
نوفمبر 27, 2023, 11:52 ص - سيرين غازي بدير
نوفمبر 27, 2023, 6:34 ص - بشرى حسن الاحمد
نوفمبر 26, 2023, 2:58 م - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 2:24 م - إبراهيم محمد عبد الجليل
نوفمبر 26, 2023, 10:15 ص - ايه احمد عبدالله
نوفمبر 26, 2023, 9:51 ص - ليلى أحمد حسن مقبول
نوفمبر 26, 2023, 9:27 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 8:03 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:52 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:35 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:01 ص - محمد بخات
نوفمبر 26, 2023, 6:32 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 23, 2023, 12:46 م - رانيا بسام ابوكويك
نوفمبر 23, 2023, 10:41 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 23, 2023, 8:28 ص - احمد عزت عبد الحميد محيى الدين
نوفمبر 23, 2023, 7:26 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 22, 2023, 2:20 م - محمد سمير سيد علي
نوفمبر 22, 2023, 2:00 م - عبدالخالق كلاليب
نوفمبر 22, 2023, 6:45 ص - محمد بخات
نوفمبر 21, 2023, 8:51 ص - مدبولي ماهر مدبولي
نوفمبر 20, 2023, 7:41 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 19, 2023, 1:27 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 19, 2023, 1:07 م - محمد بخات
نوفمبر 19, 2023, 12:07 م - أسرار الدحان
نوفمبر 19, 2023, 11:06 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 19, 2023, 10:03 ص - فاطمة محمد على
نوفمبر 19, 2023, 7:49 ص - شاكر علي احمد عبدالجبار
نوفمبر 18, 2023, 11:36 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 18, 2023, 10:56 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 18, 2023, 8:09 ص - شيماء عبد الشافي عبد الحميد
نوفمبر 17, 2023, 6:13 ص - يغمور امازيغ
نوفمبر 16, 2023, 8:30 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 15, 2023, 6:01 م - كامش الهام
نوفمبر 15, 2023, 2:57 م - فاطمة حكمت حسن
نوفمبر 15, 2023, 12:21 م - ساره محمود
نوفمبر 15, 2023, 11:00 ص - يغمور امازيغ
نوفمبر 15, 2023, 9:50 ص - ميساء محمد ديب وهبة
نبذة عن الكاتب