في السيارة، اقتات بي الشوق ودثرني الحنين.
ولنفسي: أيها الفارس ماذا تصنع بالريح وحيدًا!
تتابعت الذكريات تخفف من شجني ترافقني كصديق قرر أن يلازمني من مسكني بحي الحسين إلى طريق المطار .
السيدة زينب وحي الحسين.. بابه الأخضر وقبابه العتيقة ومصابيحه البيضاء بر الأماكن وسمت الطيبين..
تملكني آخر مشهد للحسين وأخذتني رعدة خفية.. تذكرتُ الدماء التي تدور وتفارق وريد أصحابها حتى تبلغ مشارف الثريا.
رحلة الألم من عسقلان إلى القاهرة السفر حيا وميتا . دروب الرحلة وطريق الغرباء وتدثر الروح ببعد جديد .
كانت الأفكار تتداعى بلا محاولة مني لتنظيمها، تركت الطريق والأشجار والقلب ليعبر عن نفسه في هذا المقام ربما للمرة الأخيرة.
وبعد حين أوقف تدافع أفكاري وصولي أرض المطار.
يا لرحلة الغرباء!
دخلتُ بعد أن خلعت عواطفي لوهلة وذكرتُ نفسي أن هذه الرحلة لا بد أن تكتمل.
وقبل أن تفتح لي بوابات السفر نادني أحدهم: أستاذ عمار يوسف.. وحديث قصير .
-فاجأني هذا الاستجواب العابر.
-ولكن موعد الطائرة، وفي ذهني الهوية، جواز السفر، مفاتيحي، كتب الأذكار، مفكرتي، وغدرة سالومي.
لنفسي: لا وقت للعتاب.
ولى زمان الأمسيات الرمادية.. لن يعود هذا القلب لسابق عهده أبدًا..
- كلها خمس دقائق.
ولكن الحديث استمر لقرابة الساعة، كاد موعد الطائرة أن يفوتني لولا وصولي مبكرًا وذكر في ثنايا الحديث هدبة عمار أو سالومي كما تسميها نفسي بعد حضورها الأخير، ولم أكن أعي الوضع الجديد جيدًا حتى استجمعتُ أفكاري المبعثرة.
هدبة عمار زميلة الفصل، وجارة الحي، ونصفي الآخر، اسمي الذي يحيط كخاتم بأناملها واسمها الذي يحيط بعالمي...
وتطايرت الكلمات حولي واخترق حديثهم صمتك الأخير حديثك الموارب، جبال الغضب وفوران القطيعة والكثير من الأكاذيب المنمقة بالصور الرمادية، وخرجت من الغرفة الصغيرة بعد التحقق من أوراقي لباب الطائرة في سلام.
وها قد بدأت رحلة اكتمال الروح والتحليق في عالم جديد أصابني بعض الخوف القادم من المجهول، ولكن لا بأس بالاعتراف بضعفنا أعشق الوجود الحر دون أن تكلله رتوش القوة المصطنعة والاكتمال الزائف الذي يوضع حولنا كهالة زائفة.
هنيئا للعابرين رحيلهم ولقلبي سلام .
وفي ذهني بيت المتنبي:
إِذا تَرَحَّلتَ عَن قَومٍ وَقَد قَدَروا أَن لا تُفارِقَهُم فَالراحِلونَ هُمُ .
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.