يتعرض كثير منا للسرقة.. فيتسلل أحدهم إلينا في غفلة ويسرق منا عزيزًا أو نفيسًا، وما أشدها خيانة يتصف بها بعض المؤذين من البشر.
فقد يسرق أموالًا لك أو مصوغات أو منقولات، ودائمًا السارق متسلل مجهول، دخل بيتك أو مكان عملك ووثقت به فانتهز فرصة عدم وجودك وفعل فعلته الشنعاء.. ودائمًا المسروق غالٍ عليك.. والسارقون أنواع، منهم السارق الخاطف الذي يخطف منك متعلقاتك أثناء سيرك بالطرق العامة.
ويوجد سارق نصاب ينصب لك فخًّا ويطمعك في وهم يملكه وأنت تبغيه فيصفعك ويهرب.. ويوجد سارق متسلل إلى أشيائك يسرقها رغمًا عنك.. وكلها أنواع مذمومة تؤلم النفس وتؤذيها، وتبكي العين على ما فقدت.
وتوغر القلب وتشتت الذهن من كثرة تفكيرك من يا ترى يكون السارق، وتحية للإسلام الذي شرع قطع يد السارق إذا عُرف.. وهي عقوبة عادلة لما أحدثه السارق في أنفسنا من ألم وأذى.
ويوجد نوع آخر من السرقة، تعرف صاحبه وتتعامل معه وهو يعرفك معرفة فاحصة، فيتصفح تفاصيلك الحياتية، ويتقرب منك كالبعوض الذي يلتصق بك لكي يمتص دماءك متلذذًا بألمك..
وذكرني هذا بإحدى زميلات امتحانات الكلية، وكانت تجلس بالمقعد المجاور لي الذي يبعد عني مترًا وعن الآخرين مترًا أيضًا، لم أشعر بها أنها تسرق مجهودي إلا عندما استخدمت كيس مناديل جيب أجفف به عرقي ووضعته على المنضدة ناحيتها، فإذا بها تناديني أن أضعه بالجانب الآخر، وتعجبت لها.
ولكني عرفت السبب فيما بعد، فيَدُها مع يدي تكتب ما أكتب وتتوقف عندما أتوقف، وحينها تنظر لآخر وتكتب ما يكتب أيضًا، وإذا بها يوم النتيجة تحصل على تقدير أعلى منا؛ لأنها سرقت جهدنا جميعًا وسهر ليالينا، إنها سارقة بلا شك.. والآن في مجال عملي وحياتي أتعرض لسرقة مشابهة لهذه وهي سرقة أحلامي.. ستسألني أيها القارئ وهل تسرق أحلامنا؟ والإجابة نعم وأقول لك كيف.
يوجد أشخاص إذا دخلوا حياة البعض منا خربوها وجعلوها كئيبة وحزينة.. يسرقون منك الأمل والابتسامة ويتغلغلون داخل منامك فيسرقون منك الأحلام.. فلا تخبرهم عن أحلامك أو أمنياتك لأنهم ببساطة سينسبون أحلامك لأنفسهم ويصبحون أصحابها قبلك..
سيرتدي أحدهم الثياب التي أخبرته أنك تنوي شراءها ويقول لك إنه ذوقي المعتاد.. سيتناول الفنجان الذي أفصحت عن إعجابك به.. إذا عرفوا أن هذه الأريكة تعجبك وتريحك ستجدهم دائمي الجلوس عليها ويفضلونها على باقي المقاعد.. تحلوا لهم لقيماتك فيتناولونها قبلك.. ولا يشعرون أبدًا أنهم أذى.. وهم يفعلون هذا بتلقائية بالغة ويصدرون لك أنهم أصحاب نيات صادقة، ولا يحملون لك إلا كل حب ووفاء..
وإذا فكرت بتأثير كلامهم فيك ستجدهم يعتقدون أنهم على حق، فما الأذى أن يتخذك البعض قدوته وأيقونة مودته؟ وما الضرر أن يعملوا المشروع نفسه الذي وددت عمله وأن يأخذوا منك أفكاره؟ فهم قادرون على إيهامك بأن ميولكم واحدة..
وما الضرر في سعيهم الدائم لأن يكونوا أفضل منك ويصلوا بالفعل لبغيتهم.. لا والله إنهم يتسببون في عظيم الضرر، إنهم كمن يلبسه الجن، يحاوطونك من كل جانب، حتى أنفاسك يعدونها، هؤلاء البشر آفة بالحياة يجب كبح جماحهم على قدر المستطاع.
فلتحفظ أحلامك وخططك المستقبلية بعيدًا عنهم، ثم تصر على أن تحقق ما تصبوا إليه، ولا تدعه هدفًا للآخرين فهو هدفك أنت.. فلمَ لمْ تظل عاكفًا على حلمك وتركته لهم سهل المنال؟ أنت لم تتخذ كل السبل الممكنة وغير الممكنة كي تحقق حلمك..
فكن جادًّا في تحقيق حلمك ولا تملك غيرك زمام أمورك، فسارقو الأحلام ما هم إلا مقلدون يتخبطون بين رغباتهم ورغباتك فيجدونك أفضل منهم، فيغيرون الدفة إليك ليحسنوا من حالهم على حسابك، ويساووك في كل شيء..
وفي كثير من الأحيان بل أكثرها يصبحون أفضل منك، فالتصاقهم بك عدَّل من ذوقهم ونمى أفكارهم وتطوروا كثيرًا.. حتى إنهم يريدون التغلغل داخل بيتك وصنع بيت مثله.. فأحلامك لا تُسرق إلا إذا فرطت أنت فيها.. فلا تجعلها تفلت من بين يديك فتذهب سدى، لأن سارقي الأحلام كثيرون فلا تسمح لهم بأن يسرقوك.
مايو 25, 2023, 2:51 م
كلام رائع بالتوفيق
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.