أعشقُ الزهور عشقًا جمًّا ولدي ذكريات مع كل زهرة، فإذا رأيت الورد البلدي تذكرتُ من كان يزرعه ويربي عليه النحل ويهديني بعض زهورها الحمراء الجميلة..
وإذا رأيت القرنفل تذكَّرت الربيع في بيت أبي، فكنتُ أشتريه وأزيِّن به البيت وأضع بعض زهوره على شعري المنسدل الطويل آنذاك، أما الأشجار والأوراق الخضراء فتذكرني ببيت جدي فكان اللون الأخضر المنتشر هنا وهناك يبهجني وينعش قلبي..
يا لجمال ثمار البرتقال المدلاة من أشجارها وعيدان القصب، وهناك أعواد العنب الأصفر المبهج، وهنا البلح يطل علينا من نخلته العالية..
وكان لنا قريب كبير في السن، كنتُ أطلق عليه "عم جوافة"؛ لأنه يملك في داره شجرة جوافة عملاقة، عندما يراني يقطف لي منها ثمرة ولم أذق في حلاوتها إلى الآن..
وهكذا لكل زهرة عندي ذكرى وقصة.. أما البنفسج فله حكاية أخرى فكلما سمعت أغنية: "ليه يا بنفسج بتبهج وإنت زهر حزين" لفت نظري هذا التعبير لماذا الحزن والتشاؤم منه رغم بهائه وحسنه..
وبحثتُ عن ذلك فيما بعد، فوجدته نباتًا عشبيًّا معمرًا لا يعرف موطنه الحقيقي، وأوراق على شكل قلب ولها رائحة عطرية مميزة وأشكالاً متعددة يحكمها طول النهار أو قصره، ويطلق عليه (فيو ليت) ومع جماله وبهاء حسنه ورائحته العطرية المميزة ينوب عن الحزن ويهدي في المآتم ويتشاءم منه البعض..
يا للهول فحظه العاثر كحظ بعض البشر يملكون الجمال ولا يملكون السعادة...
وقرأت عن أسطورة قديمة تقول إن زهرة البنفسج كانت فيما مضى تسمى (أبانش)، وكان جمالها وحسنها زايد عن الحد، لا تكاد تراه عين حتى تقع في غرامه...
وقد رآها (أبولو) ووقع في غرامها وراح يطاردها واستصعب عليها الأمر، ولا تعرف إلى أين تفر منه، فذهبت إلى (ديانا) إحدى حوريات الماء من خادمات الآلهة وسألتها إن تسلبها جمالها الذي أصبح وبالاً عليها وجعلها مطمعًا للطامعين، فلما سمعت (ديانا) مقالته أجابت مطلبها وجعلت وجهها الأبيض المشرق أزرق اللون.
وبعد أيام ذهبت (أبانش) إلى (ديانا) تبكي جمالها المذاهب وتسألها أن ترد لها حسنها فرحتها (ديانا)، وحولتها إلى زهرة البنفسج، وقد أنشد بيرم التونسي شعرًا في زهرة البنفسج وتغنى بها صالح عبد الحي:
ليه يا بنفسج بتبهج وأنت زهر حزين
والعين تتابعك وطبعك محتشم ورزين
ملفوف وزاهي يا ساهي لم تبح للعين
بكلمة منك كأنك سر بين اثنين
وأجد أوجه شبه كبيرة بين زهور البنفسج وبعض البشر ينشرون الفرح والبهجة فيمن حولهم على الرغم من قلوبهم المتألمة، فهم كزهور البنفسج ينشرون أكثرهم الجميل في كل مكان يذهبون إليه، ولا يسمحون للكآبة أن تعم أماكن تواجدهم..
هدفهم الكلمة الطيبة صدقة والابتسامة مفتاح القلوب، فألمهم داخلي لا يظهرون لأحد... دائمًا منبع للخير والحب والتفاؤل.. قد تكون عثراتهم كثيرة ولكن توقع لهم السعادة التي يهدونها لغيرهم...
واللوم كل اللوم على من يقابلك ويظهر عصبية وسوء أدب لأن لديه مشكلات أو متعصب، فمالنا ومال ضيقك فلتتقوقع داخل بيتك ولا تبلي بك الآخرين وتعامل معنا بسماحة الأديان والأعراف فإن البر لهين وجه طليق ولسان لين (عمر بن الخطاب).
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.