اليوم هو ثاني يوم على التوالي أستيقظ فيه مبكرًا وأجلس أمام شرفة المنزل المقابلة للطريق العمومي، لقد أنهك الانتظار نظري وقطَّع أوصالي.
أنظرُ إلى منفضة السجائر لأجدها استهلكت خمس سجائر وبيدي واحدة، أنتظر هناك واحدة أخرى مشتعلة في المنفضة.
لقد عزم التدخين عن الإقلاع عني، فأنا عجوز وحيدة أستيقظُ ساعتين فقط لأدخن كل هذا.. لا يهم فلقد رحلت الحياة عني ولا أستطيع إدراكها إلا بالموت.
ما هذا الذي يحدث معي؟
ولكن أعلم أنهم لم ينسوا هذا اليوم بالتأكيد، وكيف ينسون هذا اليوم بعد كل ما قد قدمته لهم؟ فأنا لم أبخل حتى بأجمل أيام حياتي وزهرة شبابي التي سقطت في بناء هذه الأسرة حتى يصبحوا لي عصا أتسند عليها في الكبر، فهم ميراث حياتي الوحيد.
ولكن ماذا حدث؟ لقد تبدَّل الوضع إلى الأسوأ تدريجيًّا، لقد كانوا يزورني كل يوم، وبعد ذلك مرة بالأسبوع، وزادت حتى أصبحت مرة بالشهر.
والآن قد مر الشهر منذ يومين، وأنا في انتظار زيارتهم لأشعر بالسعادة في لمة أطفالهم حولي، والدفء الذي يملأ قلبي حين يشعرون بالنعاس وهم بأحضاني، لذلك لا أتحمل لوعة البعد.
قد مر يومان على مرور الشهر، ولم يأتِ أحد لزيارتي، فهل من الممكن أنهم قد نسوا أنني ما زلت حيًّا؟
الآن أشعر بمرارة في حلقي، وقد مرت أمام عينيَّ كل لحظةٍ شعرتُ فيها بالسعادة وهم من حولي، وكل لحظة شعرت فيها بالقلق والحزن وهم بعيدين عن عينيَّ.
لم أنسهم يومًا حتى إن نسوا، ولم أنشغل عنهم ما دُمت حيًّا. فاليوم لم يقتلني التدخين كما أخبرني الدكتور، ولم يقتلني داء السكري الذي أهملت في علاجه، ولم يهتم أحد أو يلاحظ حالتي الصحية.
بل الذي قتلني اليوم هو الخذلان، لم أكن أتوقع أنهم سوف يخذلوني يومًا، ولم أتخيل أنهم ينسوني، فأنا اليوم غير مستعدة للقاء يوم آخر في هذه الحياة التي قد أهدرت بها كل ما أتاحته لي، لكي أموت وحيدة على كرسي أنتظر مرور من أحببت لألقي عليه نظرة وداع.
ما أسوء الإنتظار الذى لايأتى بعد
الاالحزن وما أصعب العمر
الضائع الذى لآ ينتهى بشكر
تحياتى لك
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.