من حق كل إنسان أن يضع مواصفات خاصة لشريك حياته. ليس من السهل أن نتخلى عن أفكارنا أو مشاعرنا فقط لمجرد أن الآخرين قد يظنون أن هذا الاختيار صحيح أو مثالي. كل واحد منا يعيش في عالمه الخاص، محكوم بتجارب وقيم وتاريخ لا يشبه تاريخ غيره.
أحيانًا يظن البعض أن هناك معايير ثابتة للقرار الصحيح في العلاقات، لكن الحقيقة هي أن كل شخص يختار بناء على ما يشعر به وما يتخيله من المستقبل. قد تكون هذه الاختيارات صحيحة أو خاطئة، لكنها تظهر في النهاية جزءًا من رحلته الداخلية، من نموه، من تطوره.
كثير من النصائح التي نسمعها من الآخرين تظل مجرد كلمات في الهواء؛ لأنها لا تعني لنا شيئًا إلا إذا عشناها. قد يكون لدينا جميعًا أصدقاء وأقارب يقدمون لنا مشوراتهم في العلاقة المثالية، لكن في النهاية التجربة هي التي تعلمنا.
لا يمكننا أن نفهم حقيقة ما هو الأفضل لنا إلا إذا مررنا بعدد من الصدمات والتجارب التي تضعنا في مواجهة مباشرة مع واقعنا. نعم، قد نخطئ وقد نؤذي أنفسنا في بعض الأحيان، لكن هذه هي الطريقة التي نتعلم بها.. لا تظن أبدًا أنك ستتجنب الأخطاء إذا سمعت نصيحة أحدهم. الجرح الذي قد يصيبنا لا يمكن أن يمنعنا من أن نكون أكثر وعيًا في المرة القادمة. نحن لا نصدق النصائح إلا إذا عشناها بأنفسنا، إلا إذا وقعنا في نفس الفخ، إلا إذا ندمنا.
دعونا نتوقف عند نقطة مهمة: الآباء هم الذين يمثلون اختياراتنا المستقبلية. لن أقول إن هذا هو الشيء الوحيد الذي يؤثر في اختياراتنا، لكن الحقيقة أن علاقة الأب والأم في مرحلة الطفولة تؤثر تأثيرًا كبيرًا على ما نختار في حياتنا العاطفية. كيف يعامل الأب الأم وكيف تعامل الأم الأب؟ هذه العلاقة هي أول نموذج لنا في الحب والعلاقات، وهي أول مرآة نرى فيها صورة الحب الحقيقية.
لكن الحياة لا تتوقف عند هذا النموذج الذي كونه لنا الآباء. توجد دائمًا فرصة لتغيير الصورة، لتوسيع الأفق، ولتغيير المسار. لا شيء في هذا العالم ثابت، وإذا أردت أن تتحرر من قيود الماضي، يجب أن تبدأ في العمل على نفسك.
كثير من الناس يعتقدون أن الذهاب إلى مستشار تنمية بشرية أو "لايف كوتش" يمكن أن يكون بديلًا للعلاج النفسي، لكن الحقيقة أن هذا خطأ كبير؛ فالتنمية البشرية هي جزء من تحسين الأداء الشخصي والمساعدة على تحديد الأهداف، لكن هذا لا يعني أن هؤلاء المدربين يستطيعون التعامل مع الجروح النفسية العميقة أو الصدمات التي قد نكون عايشناها.
العلاج النفسي يتطلب من الشخص أن يواجه نفسه بالكامل، أن ينظر إلى أعماق روحه ويعالج المشكلات النفسية التي قد تكون متجذرة منذ سنوات. لا يمكنك أن تبني قصرًا على الرمال، ولا يمكنك أن تستند إلى نصيحة شخص آخر بخصوص مشكلاتك الداخلية دون أن تتعامل مع جذورها أولًا.
حين نختار شريك حياتنا، نختار بناء على ما نعتقد أنه سيجعلنا سعداء، لكن مع مرور الوقت قد نكتشف أن ما أردناه لم يكن ما نحتاج إليه.. هذا ليس خطأ، بل هو جزء من الرحلة.. لكن الأهم في كل ذلك هو أن نعرف متى نوقف أنفسنا: عندما تشعر أن الاختيار كان خاطئًا، عندما تدرك أنك لا تستطيع العيش في هذا الواقع، اعرف كيف تخرج منه بسرعة، ولا تخف من اتخاذ قرارات جديدة.. لا تدع الكبرياء أو الخوف من المجهول يمنعك من البحث عن الراحة والسكينة التي تحتاج إليها.
كل شخص فينا يحتاج إلى العمل على نفسه، يحتاج إلى أن يواجه تحدياته، أن ينظف جروحه، أن يعالج صدماته النفسية. هذا هو الطريق الوحيد نحو اتخاذ قرارات أفضل.
عندما نعمل على أنفسنا نصبح قادرين على اختيار الأفضل لنا دون أن نحتاج لتبرير اختياراتنا أمام أحد. نعم، قد تكون الاختيارات في البداية صعبة، قد تكون مملوءة بالندم والألم، لكن عندما تعرف كيف تعالج نفسك وكيف تهتم بصحتك النفسية، ستكون قادرًا على اتخاذ قرارات قوية، وستتمكن من الابتعاد عن العلاقات التي تضرّك.. ستتعلم كيف تكون أفضل في اختيار من تشارك حياتك معه، وستحسن من علاقتك بنفسك أولًا.
أتفق معك فى كل ماتقولى
التجربة هى الحقيقة الوحيدة
التى نقتنع بها فى نهاية المطاف
ابدعتى يا عزيزتى 🌹
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.