غرفة الإعدام
كان مقيدًا بشكل كامل.. حتى إنه لم يملك أن يجر رجلاً قبل الأخرى.. حتى أفكاره وخيالاته كانت مقيدة.. انتهت لحظاته أو هي على وشك.. حاول أن يفكر لكن الهلع أخرس تفكيره.. حتى نظره الزائغ لم يبتعد ثانية عن المقصلة.. كان ينظر إليها نظرة عميقة تشي بأنه عرف الحقيقة!
كل القوة التي ادعاها تساقطت مع حبات عرقه وذابت..
خطوة إثر خطوة وصل المقصلة أو لعلها هي التي وصلت..
لقنه أحد الواقفين قولاً.. أنصت وأنصت ثم أنصت لكنه سقط.. وغاب..
إلى أمي..
مساء الورد أمي..
أريدك أن تعرفي أنك الوحيدة إلى الآن التي احتوتني واستساغت وجودي بالمطلق..
أمي.. لا أعرف درب العودة فتعالي خذيني، فإني والله تعبت حد اليأس وحد التوسل وطلب الشفقة.. أمي ارفعي يديك إلى الله عسى أن يبسطها إليّ فأنجو..
قهوة وسيجارة وستبقى سيجارتي رفيقتي..
هي الوحيدة التي ترتادني وأرتادها حتى حين أتذمر وأتبرم منها تسكت فتعطيني مساحة كافية للحرية.. هي الوحيدة التي أبوح لها بنار تأجج داخلي فتعينني بنار من لدنها نحرق معًا أكوامًا كبيرة من القلق والهم...
سيجارتي والغضب..
من الداخل إلى خارج يتلظاني داخلاً!!
تبًا لهم جميعاً الاك..
تغيير..
اليوم كان اجتماعيا فوق مستوى العادة..
كانت الضجة تعتريني منذ الصباح، فناجين القهوة تحدث بعضها وأطباق الطعام تحكي للآكلين حكاوي المعازيم، وكاسات الشاي ترقب المشهد بشغف ومتعة.. كنت سعيدًا مرتاحًا لهذا فهي على أنها ضجة كانت محببة إلى نفسي ولعل السبب في أنها كسرت رتابة الأيام..
يمرُّ اليوم مزدحمًا سريعًا أسترق منه دقائق أخطئ فيها أخطاء تكاد الآن تجعلني أذوب حياءً وخجلاً وندمًا..
انفض القوم.. كلهم رحلوا..
بقيت أنا وأخطائي..
ورتابة الأيام!
في المحطة..
في محطة الحافلة جلس رجل عجوز وامرأة حامل ينتظران وصول الحافلة.
كان الرجل العجوز يتطلع إلى بطن المرأة بنظرات فضول حتى سألها قائلاً: في أي شهر أنت؟
كانت المرأة شاردة التفكير كما أن القلق يتسرب من ملامح وجهها الحزين في بداية الأمر لم تعر سؤال العجوز أي اهتمام، لكن بعد مرور لحظات أجابت قائلة: أنا في الأسبوع الثالث والعشرين.
رد العجوز: أهي أول ولادة لك؟
أجابت المرأة: نعم.
العجوز: لا داعي لكل هذا الخوف لا تقلقي سيكون كل شيء على ما يرام.
وضعت المرأة يدها على بطنها ونظرت أمامه تكبح دموعها وقالت: آمل ذلك حقًا.
العجوز: يحدث أن يتضخم شعور المرء بالقلق أحيانًا على أشياء لا تستدعي منه كل هذا القدر من التفكير.
-أجابت بنبرة حزينة: ربما.
- بدأ العجوز أكثر فضولاً وقال: يبدو أنك تمرين بفترة عصيبة لماذا زوجك ليس بجانبك؟
- لقد هجرني قبل أربعة أشهر.
- لكن لماذا؟!
- الأمر معقد بعض الشيء.
- وماذا عن عائلتك! أصدقاؤك أليس لديك أحد؟
- أخذت نفسًا عميقًا وقالت: أعيش برفقة والدي المريض فقط.
- فهمت أتجدينه سندًا قويًّا الآن كما كان في صغرك.
- نزلت الدموع من عينيها وقالت: أجل حتى وهو في حالته تلك.
- ممَّ يشكو؟
- فقط هو لا يستطيع تذكر من أكون..
قالت جملتها الأخيرة بعد لحظات فقط من وصول الحافلة التي ستقلهما، قامت من مكانها وقالت: لقد وصلت حافلتنا، مشت بضع خطوات فيما بقي الرجل العجوز جالسًا على الكرسي، اِلتفتت للخلف وعادت تمسكه من يده وقالت: هيا بنا أبي..
أبريل 14, 2023, 7:45 م
جميل وهادئ.. تبا للضجة
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.