يخاطب أحدهم نفسه فيقول: لم أعد أصدق كيف مر هذا العمر سريعًا، فأنا اليوم أبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا، ولا أدري كيف مرت بلمح البصر. بالأمس كنا صغارًا نلهو ونلعب ونفترش الأرض، نعد نجوم السماء صيفًا، نرتقب الشهب لنتمنى أمنية، ونتغنى بجمال نسيم الجبل العليل. ننتظر بائع غزل البنات نهارًا، وقبيل مغيب الشمس نطلق طائراتنا الورقية ونتأمل جمالها وهي تحلق في عنان السماء.
وكيف كانت ليالي الشتاء الباردة مملوءة بالدفء والحنان. كنا نجمع الحطب صيفًا لنتدفأ به من البرد القارس. كانت أمي تطهو لنا الطعام على موقد النار. كنا نتجمع حولها فرحين، نستمع لقصص كان يحدثنا بها أبي عن طفولته وحياة الأجداد. كنا نستمتع بالكستناء والذرة المشوية وكأننا نملك العالم بأسره.
بالأمس، منذ تسع عشرة سنة، كان أول يوم لي في المدرسة. كانت تخالجني مشاعر الخوف والفرح، فها أنا قد لحقت بركب إخوتي الكبار وبدأت أتلقى العلم وأحفره في القلب والذاكرة. كنت طالبًا شغوفًا لا يمل من العلم والتعلم.
بالأمس كنا أناسًا مفعمين بالحيوية والنشاط، نستمتع باللحظات بكل ما فيها من تفاصيل، نحيا حياة خالية من الشاشات. نجتمع بعطلة نهاية الأسبوع في منزل جدي ونصنع الذكريات التي ما كنا نعلم بأنها ستصبح خالدة في ذاكرتنا. نبحث عنها ولا نجدها؛ إنها فقط في الذاكرة.
أقارن حياتنا اليوم المليئة بالألوان الخالية من المشاعر بذكريات الماضي الذي صوروه لنا بالأبيض والأسود، كم كان دافئًا وحنونًا بكل ما فيه.
بداخلي طفل يأبى أن يكبر.. اعتاد دفء العائلة وصدق العلاقات. أبحثُ عن حلاوة أحاديثنا القديمة ولا أجدها؛ فقد استبدلوها بآخر صيحات الموضة، ومعايير للجمال وشكل الجسد والوزن ولون الشعر والبشرة، وأخرى لطريقة طهو الطعام، وسيارات فارهة وبيوت كبيرة تتسع لألف من الأصدقاء لكنها خالية، وأرقام فلكية للأموال وثروات طائلة لا تأكلها النيران، وكلها، كلها في النهاية زائلة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.