حاول أن لا تبكي علنا
فلن يسمع بكائك أحد
لا أحد في الحقيقة يهتم
لا تصدق كل ما يقال
عن الإنسانية
والتعاطف
فما هي إلا شعارات
وأكاذيب
ليس هناك أحد يلقي بالا.
فما يحدث لك
يحدث لك أنت وحدك
وما يؤلمك سوف يبقى دائما
ألمك وحدك.
إحبس دمعك في عينيك
واجعل صرختك زلزالا
يضرب داخلك وحدك
ولكن لا تبكي علنا
كلنا في الحقيقة مساكين..
كلنا نعاني ونتمزق..
كلنا ضحايا في هذا العالم اللعين..
لا نعيش حياتنا كما نريد
بل نعيش الحياة
كما يراد لنا أن نعيشها
نكذب على أنفسنا
وعلى من حولنا
ندعي أننا نفهم هذا العالم
ضائعون نحن..
مجرد أدوار ضئيلة
على مسرح عظيم،
لا نملك سيطرة على أقدارنا..
أعمارنا مكتوبة سلفا..
مولودون بقدر
و سوف نموت حين لا نريد.
فلا تبكي علنا
لا أحد في الحقيقة يهتم
الرحمة و الرأفة والتآخي
ما هي إلا كلمات رنانة
ننطق بها كذبا..
العدل و الإنصاف والحق
مصطلحات
ليس لها وجود في هذا العالم.
هذا العالم مبني على الكذب
والظلم
والعنف
فالبقاء للأقوى
البقاء للأكثر وحشية وخبثا
كل الضعفاء يموتون
لا أرى لهم نصيرا
سوى الموت
خلقنا ولا نملك من أمرنا شيئا
وسلطت علينا الآفات والأمراض
والأوبئة
هاجمتنا السيول
ودمرتنا الزلازل والبراكين
قتلنا بعضنا
وتسلطت علينا العفاريت والشياطين
ففي داخل كل منا شيطان
في نفس كل منا قرين
أين المفر من الأوجاع؟
أين الهروب من غرائز؟
تطاردنا
نجوع رغما عنا..
يقتلنا العطش شئنا أم أبينا
تتملكنا الشهوات
والملذات
رفضنا أم قبلنا
في كل خطوة لنا
هواجس تحطمنا
نبحث عن كمال
في عالم غير مكتمل
نبحث عن مثالية
في عالم مشوه مجنون
نعلم إننا لا محالة ميتون
نبني ونعمر كأننا خالدون
نخاف من الغيب القادم
موعدون بالعذاب
موهومون بالرحمة
مهددون كل لحظة
فالمجاعات تهددنا
والجفاف يهددنا
والبيئة تهددنا
فلمن تبكي إن بكيت
أبكي سرا دون أن يراك أحد
ففي الحقيقة لا أحد يهتم
كن وحيدا في هذا العالم القاسي
كل لحظة تقضيها وحدك
هي دواء لألمك
صارع نفسك
و حاول أن تخرج بأقل الخسائر
أو
كن قاتلا
كن سارقا
كن كاذبا ومحتالا
كن أفاقا
فهؤلاء هم من يحكمون هذا العالم
هم من اطلقت أيديهم في هذه الدنيا
هم من سلطوا على أعناقنا
اليأس في أعماقنا خصلة مزروعة
تطفو كل يوم على وجوهنا
نتمزق خوفا على أبنائنا
نبكي أبائنا وأمهاتنا وإخواننا
ولكننا أيضا
ندوس على روؤس الأخرين
تحت أقدامنا جماجم البشر
تتحطم كل يوم
نتكالب على نهب من حولنا
بحجة الحق والعدل والإحسان
ندك القرى والمدن
نغتصب النساء والغلمان
بذريعة الاختلاف
بحجة الكفر
بتهمة الإرهاب
بحمية الثأر ورد الكيل بالكيل.
كل منا ضحية
كل منا يساق إلى قدره المرفوض
كل منا يمشي دربا لا يريده
نلعن واقعنا
نسب اللحظة التي ولدنا فيها
فمنها دخلنا هنا
ولو علمنا ما ينتظرنا لما جئنا
كلنا نادمون على كل نفس نتنفسه
كلنا حائرون في عالم لا يرحمنا
عالم وضع أصلا لكي يعذبنا
وجودنا في الأرض عقوبة
وخروجنا منها بصعوبة
كلنا رافضون
ولكننا خائفون حتى أن نعترف
كلنا ثائرون
ولكننا لا نملك من الأمر شيئا
فنحن على أمرنا مغلوبون
صغار نحن
لا نذكر في هذه العوالم الضخمة
فما نحن سوى نقطة لا ترى
لا نعلم ما كان قبلنا
ولا نعلم ما سوف يأتي من بعدنا
نجهل من أين جئنا!
ولا نعلم أين سنذهب!
حواسنا محدودة
إمكاناتنا محدودة
مهووسون بالنجاح
منومون بالأمل والطموح الكاذب
فكل خطوة نخطوها محسوبة
وكل كلمة نقولها مكتوبة
نعرف أزواجنا وأبنائنا
من قبل أن نلتقي بهم
نحن فقط لا نتذكرهم
نبكي على أمواتنا
ونحن نعلم أننا لا محالة ميتون
المرض ليس بيدنا
الشفاء ليس بيدنا
والرزق ليس من عندنا
عدد السنين التي نعيشها
محسوب مقدما
عدد أبنائنا معروف
من قبل أن نولد نحن
فلما هذا العذاب؟
لما نفكر ؟
ولما زرعت داخلنا هذه الأحاسيس
من الخوف والقلق والترقب؟
ألا يكفينا وجودنا في هذا العالم
عالم دخلناه رغما عن أنوفنا
أليس أرحم لنا لو بقينا ترابا؟
نخاف الموت
لأننا نخشى العذاب
وندّعي الصلاح والخلق
لأننا نريد أن ندخل الجنة
ولولا ذلك لما صلينا
لولا ذلك ما سهرنا الليالي ندعو
فلا داعي لأن يراك الناس تبكي علنا
فلا أحد في الحقيقة
في هذا العالم يهتم
أنا أيضا
تعلمت ألاّ أهتم
قلبي تحجر
أحاسيسي تبلدت
ودموعي قد جفت
من هول ما أرى في هذا الواقع
أطفال من غير مأوى
في المدن والقرى المتهالكة
يتضورون
وصبايا سبايا ورقيق يؤخذون
أعراض تنتهك
ودماء كالأنهار تسيل
وطبيعة غاضبة
تدك منازلنا وتدمّر ممتلكاتنا
أوبئة من كل نوع تفتك بالملايين
وكل هذا من أجل ماذا؟
أمن أجل جنة موعودة؟
أم خوفا من نار موقودة؟
لماذا كل هذا البؤس؟
لا أحد يفهم لما
حتى المعتكفون
في المعابد والمساجد
لا يعلمون
هم أيضا موهومون بأنهم يعلمون
ولكنهم فعلا لا يفقهون
هذا الخلق من حولنا
أكبر من أن يعلمه أحد
أنا مثلكم تائه لا أعلم شيئا
ولكني أعرف أن هذا العالم من حولي ملئ بالقسوة والظلم والبشاعة
وكل يوم يمر يزداد العالم
من حولنا سوءا
أجلس أحيانا وحدي
حين لا يراني من البشر أحد
ولا يسمعني أحد
وأطلق العنان لدموعي
أترك نفسي تئن ألما
فأنا أعرف أننا كلنا مساكين
مقهورون في داخلنا
حتى المنتصرين منا مهزومون
فلا أحد يدخل هذا الواقع
ويخرج منتصرا
كل منا قطعة على رقعة شطرنج كبير
لكل دوره حسب ما تم صنعه
فالملك صنع ملكا
والبيدق قد صنع بيدقا
ستبقى بيدقا مهما حاولت
مالم يؤذن لك
وستموت في ساحة المعركة
وينتصر الملوك بدمائك
ودماء أمثالك
من الجنود المغرر بهم
فمن عظامهم يبقى الآتون مشتعلا
فلا تدعي البراءة
وتبكي علنا
فلن يهتم ببكائك أحد
فلست سوى جندي
سوف تقتل حين تؤمر
سوف تنهب حين تسنح لك الفرصة
سوف تحاول أن تكون ملكا
لتدوس على روؤس الضعفاء
الذين كنت منهم
لكن لا تنسى أنك كنت يوما
جنديا
كنت مضطهدا
مقطع الأوصال
والآن سوف تبحث عن الإنتقام
ممن أذلوك
ممن أذاقوك العذاب
ولكنك لن تكون قادرا
سوى على سحق المعدمين
وقهر المقهورين
وسوف تسقط
حين يؤذن لغيرك بالملك
سوف تداس
سوف تقتل
سوف يتم إذلالك
كما فعلت
فلا تبكي الآن علنا
فنحن جمعيا
في الحقيقة لا نهتم
و لن نهتم.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.