خاطرة "خريطة الكنز".. خواطر تحفيزية

في فترة من الزمن، كان يأتي إلى قريتنا أناس غرباء تحت أي ذريعة، مخفين هدفهم الحقيقي، ويحفرون مواقع في قريتنا أو في القرى المجاورة، ويستخرجون كنوزًا منها، نعم كنوزًا حقيقية.

لم نكن نعلم أنهم جاؤوا لاستخراج كنز من قريتنا إلا بعد أن نرى بأم أعيننا مكانًا محفورًا وأنيقًا يدل على أنه كان يحوي خبيئة ثمينة.

يكون ذلك الشخص الغريب قد اختفى، ووقتها نتحسر بحرقة.

أوه، لماذا هذا؟ لقد كنت أمشي يوميًّا على هذه البقعة، ولم أكن أعرف أنني أمشي على كنز حتى رأيت البقعة محفورة اليوم ومفرغة بوضوح!

لماذا لم أكن أنا من عثر على ذلك الكنز؟ هذا التساؤل، وإن بدا بسيطًا، يحمل في طياته عمقًا فلسفيًّا. هل هو مجرد فضول عابر أم أنه يظهر رغبة عميقة تصل بنا لاكتشاف قيمة الذات؟ فحين تسأل هذا السؤال بنية معرفة الإجابة وليس مجرد ردة فعل تلقائية، فإنك حتمًا ستجد الإجابة. وفي هذا المقال إجابة مقتضبة وضعتها لأجلك.

تبدأ القصة من ظنك بأنك إنسان صغير، فرد من سبعة مليارات شخص على أحد كواكب مجموعتنا الشمسية التي منها الملايين في مجرتنا درب التبانة، إحدى المجرات التي لا حصر لها في كوننا الذي لا نعلم هل هو الوحيد أم منه عدة أكوان!

أريد هنا أن أخبرك بأن هذا الظن خاطئ مائة بالمائة.

لعلي بن أبي طالب قصيدة مشهورة يقول فيها: (وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر).

هذا العالم الكبير الذي تعتقد أنك جزء ضئيل فيه، هو في داخلك أنت، وما تراه في الخارج هو (وهم)!

لأنه مجرد انعكاس لما في داخلك يظهر ويختفي بأوامر من يقودك من الداخل التي هي المشاعر.

حسنًا، لك أن تعود لبداية الفقرة حتى تتحقق مما فهمته، أو تقرأ السطور التالية لتتضح لك الأمور أكثر.

أنت الحقيقة الوحيدة في عالمك وما حولك (وهم)؛ لأن ما حولك وُجِدوا فقط للتعبير عن شيء في نفسك أنت. هناك أشياء موجودة في نفسك لا تعلم عنها شيئًا، لذا تجسدت هذه الأشياء في واقعك على شكل أشخاص أو أحداث في حياتك لكي تنتبه لها وتحتويها. ولأن كل ما يحدث في الكون هو انعكاس بكل تفاصيله لما يحدث في كونك الداخلي، فاكتشاف الكنز أو إهداره هو انعكاس ينبهك لشيء بداخلك.

كنزك الداخلي المهدور هو الإبداع، الحكمة، المحبة المطلقة، سلامة قلبك، وسلامك الداخلي، باختصار: الجنة.

قد تخمن ما كنزك الداخلي، ولكن هل تخمن ما الطريق إلى الكنز؟

إنه ببساطة: حب الذات. هذا هو الطريق، حب الذات فقط.

يعتقد كل شخص أنه يحب ذاته إذا اهتم بصحته، وشكله، وغيره. ولكن حب الذات ليس هذا فقط؛ حب الذات هو تقبلها بصوابها وخطئها، بكل تناقضاتها.

راقب نفسك حين تخطئ... هل تتقبلها؟ لا، بل تلوم نفسك لأنك هكذا، دون أن تترفق بها، وتعرف أن للأمر جذورًا، وهي القناعات والمعتقدات التي زُرعت فيك منذ طفولتك، أو الأحكام التي تبنيتها من مجتمعك. لا أقصد بهذا أن تنقل اللوم من نفسك إلى الآخرين... لا، وإنما أن تتشافى. والتشافي هنا هو بالمعرفة: أن تعرف المعتقد الجذري لكل خطأ، وكل فشل، وكل لحظة تتنازل فيها عن حلم.

تفهم بأنه كان مجرد معتقد ليس إلا، وأن حقيقتك النورانية قابعة تحت ركام كل هذه الأحكام والآراء والمعتقدات، فعكست لك صوتًا داخليًّا خاطئًا يخبرك بأنك فاشل، وأن الناجحين أشخاص مختلفون عنك، فيحول هذا الصوت الداخلي بينك وبين النجاح عند كل محاولة وتجربة، ليتعزز فيك شعور الفشل. ما كان عليك أن تقوم بكل هذه المحاولات على اختلافها، ما دامت مشاعرك تجاه نفسك واحدة!

التفت لمشاعرك، نعم، يتطلب الأمر ألا تؤجل مواجهة مشاعرك أبدًا. عشها في اللحظة، وتأملها من منشئها، وانسف المعتقد الذي أوجدها.

اغفر لنفسك. إن الله يغفر الذنوب جميعًا، ولكن أنت الذي لم يغفر لنفسه أبدًا.

ابدأ من جديد، حتى وإن سقطت. كن حنونًا مع نفسك وابدأ من جديد مرة أخرى، ومرة بعد مرة ستجد أنك احترفت الوقوف.

من وجد الكنز قبلك كان قد عرف هذا السر: حب الذات، وعمل من أجله حتى وجد كنز نفسه، فانعكس هذا الشيء في العالم المادي. ثم ماذا؟ ثم يحدث ذلك الذي كان يرافق حلم عثورك على الكنز، وهي السعادة، ولكنها ليست زائفة أو مؤقتة؛ لأنها ليست مرتبطة بالوهم الخارجي وإنما بالحقيقة التي بداخلنا.

سيشع نور إبداعك، وحينها تقول كما قال مولانا جلال الدين: (كأني لم أشق قط).

يقول إيكهارت تول في كتابه قوة الآن: (لأكثر من ثلاثين عامًا، اعتاد شحَّاذ الجلوس على جانب الطريق. وفي أحد الأيام، مر رجل غريب بجواره، فتمتم الشحَّاذ: أعطني بعض النقود. قال الغريب: لا أملك شيئًا أعطيك إياه. ثم سأله: ما الذي تجلس عليه؟ أجاب الشحَّاذ: "لا شيء، إنه مجرد صندوق قديم أجلس عليه منذ زمن طويل". سأله الغريب: هل نظرت يومًا بداخله؟ فأجاب الشحَّاذ: "لا". رد الغريب بإلحاح: ألقِ نظرة على ما بداخله. فتح الشحَّاذ الغطاء، ولم يصدق ما رأته عيناه؛ كان الصندوق ممتلئًا بالذهب!!!)

في كل منا جوهرة خاصة به بداخله، يجب أن ينظفها ويصقلها حتى تلمع ببريقها المتميز.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة