عبدالمجيد ايت اباعمر مايو 14, 2023, 12:39 م

خاطرة "حين يبكي الرجال".. خواطر وجدانية

الحياة دروس وعبر، وأقسى درس يمكن أن يتلقاه الإنسان، أن يجد نفسه وحيدًا في خريف العمر، يذرف دموع الأسى والأسف على زمن قضاه بمعية زوجته وأم ابنتيه: "فردوس" في السادسة عشرة من عمرها، و"كوثر" شارفت على إكمال عقدها الثاني.

يقول "العربي" في جلسة بوح مع صديقه الحميم "إبراهيم"، محاولاً التنفيس عن كربه: "تلقيت يا صديقي طعنة في الظهر من أقرب الناس إليّ: زوجتي "الزاهية"، قذفت بي إلى الشارع دون شفقة، بعد أن كتبت رسم ملكية المنزل باسمها، وانتظرت هذه اللحظة بالذات، لتجازيني، إنها فترة إحالتي على التقاعد... بت عديم الفائدة لدى أسرتي ومشغلي معًا... حتى ابنتاي لم تقفا بجانبي، ولم تسألا عني..."

انقطع حديث "العربي" فجأة، ثم غرس رأسه بين ركبتيه، وراح يمضغ زفرات الحسرة، ممزوجة بعبرات انسابت عصية من على خديه، وما كاد يستجمع قواه حتى قال: اسمح لي يا صديقي، غلبني البكاء من شدة إحساسي بمرارة الخذلان.. وإن كان الرجال لا يبكون...

ربت صديقه على كتفه وأجابه: "من قال إن الرجال لا يبكون!؟ بكاؤك يعني أنك إنسان، احتضن نفسك برفق، ولا تقمع دموعك.. فالبكاء أحد طرق التشافي، وليس عيبًا كما يعتقد الكثيرون..."

عقب "العربي" قائلاً: إن كان بكاء الرجل ولا بد، ففي العتمات، وتحت الأمطار، وعلى الوسائد، لكن دموع الرجال لا تخرج من العين على الخد ليراها الجميع...

رد "إبراهيم" بقوله:" أعلم أن الرجل القادر على البكاء هو رجل كامل الرجولة؛ لأنه بجانب الصفات الرجولية، يملك قلبًا عطوفًا، وحسًا رقيقًا، يضيف إلى رجولته ولا ينقص منها، فكفكف دمعك يا صديقي، ولا تدع قلبك يصدا بالأسى...

مسح "العربي" دموعه بكبرياء مجروح وقال:

"أنا الرجل الصنديد، يأتي عليّ زمان، أغدو فيه تائهًا في مدينتي، أجول في أزقتها بلا هوية، مجردًا من وثائقي كأني لقيط أعزل ملام في مأدبة اللئام، أتوسل المبيت، حملي حقيبتي مستودع ملابسي، غريب بين أهلي يراودني إحساس فضيع بالسقوط في هاوية الفشل..."

ويضيف قائلاً: "ضيعت سنوات عمري لاهثًا خلف أنثى ناكرة العشير، صنعت مني رجلاً بائسًا.. كنتُ أراها حورية من حور الجنان، تعاهدنا على الحب لا الحرب، على الاهتمام لا الانتقام، على الاحتواء لا الجفاء... وبنشوزها وتنكرها وعقوق ابنتاي، باتت أقصى أمنياتي أن ألقى الله وفي قلبي غصة..."

بقلم عبدالمجيد ايت اباعمر

أستاذ باحث وأديب

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة

علوم

احتمالية ظهور قارة جديدة تسمي "بانجيا ألتيما"

سبتمبر 30, 2023, 12:34 م - الحسين أمرير