يظن الفقير الفقرَ عيبًا، والغنَى في هذه الحياة سَيبًا، وينأى عن القريب، وينفرد في حديقة يناجي فيها ويكون فيها مثل الغريب.
ويتعب في البحث عن القوت، ويغفل عن الياقوت، ويذهب بعيدًا عن الزيارة، ولا يطمع أن يكون عضوًا في الوزارة، ولا تكون في بيته ثلاجة، ولو كثرت عنده حاجة، ولا يكون عنده فِراش، ولا يطيب عنده مَعاش، ولا يملك سيارة، ولا يسافر رحلة علاجية، ولا يعرف في بلده سفارة.
فإن مرِض تناول العقاقير، فلا يجد بعدها تقارير، وإذا نال منه الجوع نيلًا، جرى بحثًا عن الطعام ويشبه سَيلًا، يأكل ما يجني ثماره في الحديقة، وإذا بدا ثمرُه أكله يوم جنْيِه، وإذا لم يجد ما يقطف لم يَدْعُه ذلك إلى ثنْيِه.
وإذا رآه الغني احتقره، واستهزأ به ولن ينصرَه، وربما يضحك تهكُّمًا، وربما يتجاهله تجهُّمًا، دون علمه أن الفقير أفضل منه بكثير، أو دون تفكيره في أن الحياة السعيدة تأتيه بيُمْنٍ وفير.
يستغرب فيظنه يتعاطى دواء لا يوجد لديه، أو يظن أنه يتخذ طريقًا لم يكن بين يديه، فيراقبه عن كثب، ويظنه ذا كذب.
حياة الفقير أكثر احتفالًا من حياة الغني، وليس الغني أفضلَ من الفقير عند الولي، والغريب أن الغني يسأل الفقير عن سر تمام صحته، ويحسده على عدم عِلَّته.
فإن وجد الجواب لسؤاله، لم يقتنع بمآله، والفقير إنما ينقصه الطمَعُ، كما أن الغني لا يزيده الجَشَعُ، فإن نوَّع الفقير الأطماعَ، لم يستطع الدفاعَ.
كثير من الفقراء في الأرياف عندهم ما يكفي أغنى الأغنياء في الآلاف، وطعامهم درجة أولى قبل أن ينزل في السوق، ومحفوظ في مكان آمن من الحشرات في الصندوق.
فلا تهددهم المجاعة، ولا تقلُّ في بيئتهم الجماعة، وأعمارهم تربو على القرن والنصف، ونشاطهم ناشطٌ دون اعتراءِ الضعف، وهناؤهم باقٍ، وبناؤهم واقٍ، وواديهم ساقٍ، وهدفُهم راقٍ.
والأغنياء يتزاحمون على المستشفيات في الحل والترحال، وحالاتهم الصحية في الضلال، وليست في أحسن الحال، وأطباؤهم يُجرون عليهم العمليات، وينصحون لهم بترك بعض الملذّات، والسبب هو كثرة المكيفات.
أيها الفقراء والأغنياء، لستم سواء...
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.