تسكن "هنية" في أحد الأحياء الشعبية، بالطابق الأول في منزل متوسط الحال، تستيقظ في الصباح على صوت جارتها "عديلة" في الطابق الثاني، اعتادت عديلة أن توبخ أبنائها، وتناديهم بالفاشلين؛ لأنهم لا يحبون المدرسة، بل يريدون الذهاب مع والدهم في تجارته، حتى يكسبوا الكثير من المال.
كانت عديلة تصب غضبها على أكبر أبنائها، وتقارنه دائما مع ابن هنية، زميله في نفس الصف.
قبل آذان الظهر، يرن جرس الهاتف؛ لقد كانت أصغر أخوات هنية تطمئن على بنت هنية، وماذا ستفعل في مسابقة الطلاب الأوائل، وبينما تجيبها هنية، ارتفع صوت عديلة من أحد النوافذ، وهي تصيح:- "ما هي إلا الكوسة والمحسوبية"، فتذكرت هنية قول الشاعر:
إذا نطق السفيه فلا تجبه ** فخير من إجابته السكوت
ثم نظرت للآية القرآنية في برواز يزين الحائط فيها: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"، ثم أكملت هنية حديثها مع أختها عبر الهاتف، وطلبت منها أن تدعو لابنها وبنتها؛ لأنهما يؤدِّيان بعض الاختبارات الشهرية، وبخاصة أنهما لا يأخذان دروساً خصوصية، بل يحبان أساتذتهما في المدرسة ويعتمدان عليهم، ويطلعان على بعض المواقع التعليمية المتوفرة على الإنترنت.
لكن عديلة لم يعجبها ذلك؛ فصاحت من أحد النوافذ، وهي تصيح: "كان سقا، ثم ارتقى"، وتركت أصغر أبنائها يلقي بالفواكه التالفة على ملابس هنية الموضوعة على حبل الغسيل، انزعجت هنية لكنها تذكرت أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام " لا تغضب"، " التمس لأخيك ولو سبعين عذرا"، وتذكرت قول الحكيم: "كن كالشجرة المثمرة؛ الناس يقذفونها بالحجارة، وهي تلقي إليهم بالثمر".
بعد صلاة العصر، همت هنية أن تراجع مع ابنها وابنتها، بعض ما سيكون في اختبار الغد، لكن كان أمراً لا يطاق، كان أبناء عديلة الصغار يلعبون بالأواني ويعزفون مقطوعات موسيقية صاخبة بدون نوته ولا ألحان متناغمة ولا آلات موسيقية، كانوا يستخدمون كل ما يمكنه أن يصدر ضوضاء.
على الفور صعدت هنية إلى شقة عديلة، تطلب منها أن تهدئ صغارها قليلاً، لكن عديلة أجابت في دلال: "تركتهم يلهون ويلعبون، وذهبت لأجهز بعض الطعام"، وأكملت بينما تشير إلى حملها: "فأنا أحتاج المزيد من الغذاء"، ثم تسألت: "لماذا لا تنجبين ولدا ثانياً يا هنية، حتى تكوني أم ولدين"، ردت عليها هنية:- " الحمد لله، ثم إن الطفل مسؤولية ويحتاج رعاية كبيرة".
ردت عليها عديلة: "الطفل يولد ويكبر وحده سواء لقي رعاية أم لا، والمرأة التي لا تنجب إما عاقر أو عقيم، ويمكنك أن تأخذي علاجاً، يعيد شبابك؛ حتى لا يتزوج زوجك؛ من تنجب له عزوة من الأولاد، وأنت ليس لديك إلا ابناً واحداً، ولا يمكن الاعتداد بعدد البنات، فهن سيتزوجن ويتركن بيت أبيهن."
أجابتها هنية: "لأن أنجب طفلا واحدا؛ مهذب ومجتهد؛ خير من أن أنجب عزوة كغثاء السيل، يسيطر عليهم أصدقاء السوء ولا أعرف عنهم شيء."
ثم أكملت هنية: "على أي حال الأطفال رزق من الله، ومن المهم جداً تفاهم الزوجين واتفاقهم."
أمسكت عديلة بأطراف الحديث، ثم ضحكت وقالت بمكر ودهاء: "إذن، ولماذا تنشرين الغسيل في الصباح الباكر، أتغازلين زوجي عند خروجه لعمله؟"
همت هنية أن تنعت عديلة بقليلة الأدب كما قالت "لينا" في مسرحية "المتزوجون"؛ لكنها ذهبت لابنها وبنتها، بينما تقول لنفسها: "الحمد لله أن زوجي وأبنائي يساعدونني عند نشر الغسيل؛ وإلا تسببت افتراءات عديلة في طلاقي، حقاً... إن كيدهن عظيم."
اقرأ أيضاً
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.