رجل أربعيني وسيم اشتعلت جوانب رأسه شيبًا، كان ينظر إلى ألبوم صوره القديمة. المشهد كان اعتياديًّا، لم يكن ثمة جديد، لكنه فجأة توقف عند صورة معينة له وهو شاب، ثم اكتشف أنه يكاد لا يوجد تشابه بينه وبين تلك الصورة، فبدأ يدرك حقيقة بعض نواميس الكون من زاوية مراحل عمره.
ترانيم الصور القديمة:
لم تكن هي المرة الأولى التي يمسك فيها بألبوم الصور ليرمي ببصره على مُجمل الزمن.. كانت بداية تصفح الألبوم لديه في أبسط معانيها، وتحركات عينيه نحو تفاصيل الصور كلٌّ وما تُعنيه.. ابتساماته كانت تعقب الكثير والكثير من الصور، فكل واحدةٍ منها ترانيم إيقاعاتها ترويها حكايةً وراءها حكاية.. وبينما هو يتصفح الصور وينهل من ماضيه بعين طبعه، فجأة أحاطت به طوارق الفكر الآتية من عبق ماضيه حيث مسقط رأسه. وفي لمحاتٍ كوميض الزمن نجحت في كسر واقعه حيث بقايا أمله..
إيقاعات في ثنايا رأسه:
توقف عند إحدى تلك الصور. لم تكن في الحقيقة مختلفة؛ كانت مجرد إيقاعات غير معقدة من ملامح طفولته الإنسانية، لكنه في النهاية توقف وانتفض فجأة مسرعًا نحو المرآة، وهناك بدأ يعقد المقارنة بين صورته الحالية وصورته قديمًا. بدأت الحقيقة تتكشف شيئًا فشيئًا، حيثُ أيقن أنَّ صورته في طفولته الأولى تكاد لا تشبه ملامحه التي هو عليها الآن.
سقوط المدينة:
سرعان ما انهارت عناوين الفكر في رأسه وسقطت في عقله أبرز معالمَ مدينته، وغاب عنه محط ما كان فيه وما كان منه.. فبات على يقين أنَّ دليل إنسانيته مُحال أنْ تُثبتهُ مجرد صورة!
بدأت تتواتر في دوائر ذهنه كل التساؤلات، كما بدأت تتخللها مفعم الأحداث والمُعطيات. بدأ يترنح حتى استقرت في سكنات جوفه مكامن الاستنتاجات، وأدرك لماذا لم ينظر الخالق سبحانه وتعالى إلى صور عباده.. أدرك أنَّ العدالة تكمن في نقاء القلوبِ وحقيقة مساكنها، وأنَّ مفاتيح النجاة تسكنُ حيثُ طيب النبضات وصدق مواطنها.
أدرك أخيرًا أنَّ الله جلَّ شأنه لا ينظر إلى صور الإنسان، حتى وإنْ بدا جميلًا! لأنَّ الإنسان، وفقًا لأبجديات حقيقته الفانية، لم يزل مجرد صورة!
-بداعت...
تسلمي
ما شاء الله تبارك الله.
بارك الله فيك
اسلوب مميز في كل مره
النفس البشرية فعلا محيرة...
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.