فاتها قطار الزواج أو فاته قطار الزواج جمله تتردد على مسامعنا داخل مجتمعاتنا الشرقية لتصف لنا حال الرجل أو الفتاه اللذين لم يتزوجا في مرحلة معينة من العمر، جملة تشعر فيها بالتنمر، جملة نتجت بسبب أفكار وموروثات عقيمة تناقلتها ثقافة الجهل ليتوارثها جيل بعد جيل تأثر بتلك الأقوال التي صورت لهم الزواج قطارًا يجب على الجميع أن يلحق به ولو وصلت بهم الحال إلى التعلق به.
وكما يقال: (أهي جوازة والسلام)، وهو تعبير عن عدم الرضا لاختيارك الذي فرضه عليك المجتمع حتى تتجنب القيل والقال، وتبتعد عن سؤال الفضول: لماذا لم تتزوج حتى الآن؟ أو لماذا لم تتزوجي حتى الآن؟
المهم أن تفعل مثل الآخرين، ولا تتعجب إذا فوجئت أن أغلبهم يركب ذلك القطار المزعوم ولا يعلم الوجهة التي سيذهب إليها، لكن المهم أن يلحق به ثم يكتشف محطاته بنفسه، وقد لا يستطيع استكمال الرحلة، فيلقي بنفسه من نافذة القطار لتتحطم عظام مشاعره، وتتهدم حياته، ويجد نفسه في النهاية هو الخاسر الأكبر من تلك التجربة العشوائية.
يا عزيزي، ليس المهم أن تتزوج، لكن الأهم أن تجد من يشبه عقلك وثقافتك وأفكارك واهتماماتك، ومن يقدر إحساسك ويشعر بك ويتودد إليك ولا يتركك منفردًا لأفكارك وأحزانك، من يكون لك السكن الحقيقي، فالزواج ليس علاقة فراش تنتهي بانتهاء الوطر الغريزي، ليتباعد بعده الطرفان كلٌّ في عالمه بانتظار شحن بطارية الرغبة الجسدية مرة أخرى.
لذا فلا تتسرع في اختياراتك لمجرد أنك وصلت مرحلة معينة من العمر، فتفرض عليك الضغوط الاجتماعية من حولك أن تتزوج؛ لأن المجتمع كله يفعل ذلك.
واعلم أن مقياس السعادة الزوجية لا يتحدد بعدد السنوات التي مرت على زواجك، فقد تجد من تزوج قبلك بسنوات، ورغم ذلك لم يحصد من زواجه سوى كثرة الأعباء والمسؤوليات والهموم، وهذه حال كثيرين، بل منهم من قرر أن ينهي حياته الزوجية سريعًا، ولم يتحمل مسؤولياتها، فكان قرار الانفصال تاركًا خلفه ضحايا ليس لهم أدنى ذنب سوى أنهم جاؤوا إلى الدنيا من أبوين لم يتحمل أيٌّ منهما نتيجة اختياره الزواج كما يفعل من حولهم.
لذا فكن على علم أنك أنت من تحدد حجم السعادة النسبية لهذا الزواج من لحظة اختيارك لشريك حياتك، فكلما كانت اختياراتك يحكمها العقل، والتقت معايير كليكما بصدق وأمانة كان نجاح زواجكما، وتحققت سعادتكما النسبية؛ لذلك قبل أن تتزوج سل نفسك هل الغريزة هي الدافع الأول لزواجك؟
فأنا هنا لا أنكر حقك في الإشباع الحسي عبر الطريق المشروعة بالزواج، فالشباب طاقة، وهذا حقك، لكن لا تجعل الغريزة هي من تدفعك للإقدام على تلك الخطوة ثم تأتي بعد ذلك لتجد نفسك حبيس أنفاسك المتلاحقة للوفاء بالتزاماتٍ اتجاه أسرة لها حقوق، وعليك واجبات يجب أن تؤديها، حينها قد يتسرب إليك شعور بأنك أصبحت أشبه بصراف الخزينة، وغريزتك التي تزوجت من أجلها لم يعد لها وجود في ظل إنهاكك النفسي والجسدي لتلبية التزاماتك الأسرية، ثم تجد نفسك وحيدًا في عالمك تحمل مسؤولياتك وأعبائك منفردًا..
وأنا لا أتحدث عن الأعباء المادية فقط، بل أتحدث عن أعبائك النفسية ووحدتك الداخلية التي تعيشها نتيجة تسرعك وسوء اختيارك الذي لا يتوافق معك.
إن الزواج يا عزيزي ليس مجرد اجتماع رجل وامرأة تحت سقف واحد، بل هو مشاركة في كل شيء، وأهمها المشاركة النفسية والفكرية لكلا الطرفين؛ حتى يحصدا السعادة المنشودة، ويهوّن كل طرف على الآخر صعاب الحياة، ويشعر كل طرف بأهمية الآخر في حياته، حتى إذا انقضى العمر وولَّى الشباب وجد كلاكما السند الحقيقي الذي يرتكز عليه؛ لأن الجسد يشيب والعقل لا يشيب.
لذا فاختيار العقل من البداية هو الباقي لك ولها؛ لذلك اختاروا من يشبهونكم حتى تسعدوا بحياتكم.
فإذا وجدتموه فتشبثوا به؛ لأنه سيكون خير معين وخير صحبة لكم في رحلتكم داخل هذا القطار حتى يصل بكما إلى نهاية الرحلة، وإذا لم تجد من يشبهك فدع القطار يمضي لحال سبيله ولا تركبه غير مأسوف عليه، فمن الأفضل لك أن تنتظر وحيدًا على محطة الانتظار خير لك من أن تركب وتجد نفسك وحيدًا داخل رحلة قد تطول بك لتعاني مرارتها.
وقد لا تستطيع حينها أن تقفز من القطار؛ لأن عظام مشاعرك لن يسعفها الوقت لتجبر وتستعيد الحياة لتبدأ من جديد.
يوليو 7, 2023, 4:13 م
كلام معقول في زمن االامعقول
يوليو 8, 2023, 11:39 ص
🙏🙏🙏
يوليو 7, 2023, 9:01 م
كلام في الصميم ،الزواج مودة ورحمة .
يوليو 8, 2023, 11:39 ص
🙏🙏🙏
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.