خاطرة "تأملات شخصية".. خواطر فلسفية

الاهتمام بـ (الأنا) قد يُحسب ضمن مفهوم الأنانية في بعض الأحيان، لكن هناك فرق كبير بين من يهتم بجوهر (الأنا) وبين من يهتم بظاهرها. فالأول يأخذ دوره الصغير ويبحر في عالم المعرفة قاصدًا هدفًا شريفًا يعود عليه وعلى غيره بعائد من المنفعة، وهو نوع من أنواع الفضيلة المرتبطة بالمشاركة الاجتماعية. أما الأخير فيظن في نفسه ما ليس فيها ويتخذها رئيسًا ومتسلطًا على بقية الموجودات الأخرى، ما يعود عليه وعليها بالضرر.

بعض الأفعال التي نفعلها بحرص هي وجهان لعملة واحدة، ويتوسطها خيط رفيع. فإن حِدت عنه، قد يتغير ذلك الفعل تمامًا. على سبيل المثال: (التوفير/البخل)، هذان المصطلحان يحملان الأفعال ذاتها حتى إنك لا يمكنك أن تفرق بين من هو موفر وبين من هو بخيل، لكن الأول يمثل جوهر (الأنا)، فهو يفعل الفعل (التوفير) رغبة في المنفعة العامة التي تمثل جوهر (الأنا). لأن جوهر الأنا ليس خاصًّا فقط بالذات الواحدة، إنما الجوهر هو كل ما اشتركت فيه الذوات المختلفة من جوهر واحد.

أما صاحب الفعل الآخر (البخل) فهو ذو تفكير سطحي. والتفكير السطحي هو النظر إلى مظاهر الأشياء وليس إلى جوهرها، وبذلك هو يفكر تفكير (الأنا للذات) وليس (الأنا للجوهر). وهذا هو الخيط الرفيع الذي يفصل بين كل ما هو نافع، وبين كل ما هو رديء من وجهة نظري المتواضعة.

ولهذا نجد أن كل قوانين المجتمعات الراقية قد صيغت من أجل المنفعة العامة، أي أنها تبلورت حول جوهر الأنا. ما يستدعي التفكير في المنفعة العامة وتفضيلها على المنفعة الخاصة، والخوف من الضرر العام وتقديمه على الضرر الخاص.

على سبيل المثال، قد يقوم حي من أحياء إحدى القرى بهدم منزل أحد الفلاحين لأنه يعوق بناء إحدى الطرق التي ستعود بمنفعة لتلك القرية. وهذا بالتأكيد سوف يسبب ضررًا لهذا المواطن، لكن على النقيض تمامًا سوف يحقق المنفعة للقرية كلها. وهذا ما أعنيه بجوهر الأنا حسب وجهة نظري المتواضعة.

حتى في العلاقات بين الأفراد، عادة ما يكون التفكير بإحدى الطرق التي ذكرتها أمرًا حاسمًا في إظهار نوايا تلك العلاقة. فإن كنت في علاقة (باختلاف أنواعها) ورغبت في معرفة نوايا ذلك الشخص وطريقة تفكيره، ببساطة عليك أن تعرف إن كان تفكيره متجهًا إلى ذات الأنا أم إلى جوهرها. حينها سوف يظهر الكثير من الجوانب الأخرى التي يمكن أن تحدد بواسطتها البقاء على تلك العلاقة أم تجنبها.

قد أكون مخطئًا لأن مثل تلك الأفكار هي مجرد تأملات شخصية قد تحمل الصواب أو الخطأ. لكن، بكل بساطة، أعني بكلامي أن من يفكرون بمنهجية جوهر الأنا هم أولئك الذين يجعلون أنفسهم وحدة واحدة في مجتمع متكامل، ويعملون على المنفعة من أجل ذلك المجتمع. أما على النقيض، أولئك الذين يتخذون منهجية ذات الأنا يفصلون أنفسهم عن المجتمع ويتخذون قرارات شخصية تلحق بهم وبالمجتمع الضرر.

وعلى صعيد العلاقات، أعتقد أن مثل هذه المنهجية التفكيرية تؤدي دورًا حاسمًا في نمو أو عدم نمو تلك العلاقة. وأعتقد أن التفكير في ذات الأنا هو المشكلة الرئيسة التي تعاني منها كل العلاقات السيئة.

وأعتقد أن لمثل تلك المنهجية (التفكير في جوهر الأنا) درجات متفاوتة عن بعضها البعض، وأقلها هو ذات الأنا، أما أعماقها وأكثرها فضيلة فهو التفكير في جوهر الأنا. وسوف أعطي مثالًا صغيرًا:

على سبيل المثال، رجل يعيش في أسرة صغيرة يفضل تلك الأسرة على المجتمع، هو أقل فضيلة من رجل يفضل المجتمع على الأسرة. لأن الأول يمكن أن يحب المنفعة لأسرته على حساب المجتمع، وبذلك يضر المجتمع من أجل أسرته.

أما الأخير فيعمل هو وأسرته لمنفعة المجتمع، فالأُسرة هي أساس بناء المجتمع، ويجب أن تكون الأسرة أيضًا وحدة تعمل لمصلحة المجتمع وليست وحدة مستقلة عنه؛ لأن المجتمع يستفيد من دعم الأسرة إذا كانت الأسرة تعمل لدعم المجتمع ببناء الأجيال التي تتبنى منهجية جوهر الأنا.

وبخصوص الانتماءات أيضًا، فإن الأشخاص الذين يفخرون بانتمائهم لثقافة ما أو لشعب ما هم أقل فضيلة من أولئك الذين يفخرون بانتمائهم للبشرية جمعاء؛ لأن الجماعة الأولى يمكن أن تضر البشر على حساب مجتمعها الخاص، أما الأخيرة فتعمل بمجتمعها لخدمة البشر جميعًا. فأعتقد أنه علينا أن نفكر في جوهر الأنا مع الاحتفاظ بالتنوع الثقافي لأنه عامل مهم جدًا.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة