خاطرة "بشارات نورانية".. خواطر وجدانية

عندما أكتبُ بأبجديتي بحروفها الرائعة ومرادفاتها الجميلة، أشعر بأنني شعاعات من النور، وفي كل الأوقات وفي كل الحالات، في الحقيقة تجعلني أنصهر في معانيها وتلزمني الغوص في أغوارها، وإذا ما أهملت قلمي لحظة أمتلئ بالحزن على ما فاتني من مكرمات تسمو بنفسي وتعطيني جواهر وكنوز معنوية تزين لي منطقي وتزخرف لي كلماتي.

وبعيدًا عن الغلو لو أننا أوليناها قليلًا مما تستحق لكان أهل لغة الضاد في مقدمة العالم، وبلا بكاء ولا وقوف على الأطلال سوف نسعى جاهدين كي نسترها من براثن الاستهتار ومن مخالب العامية،

وبكل عبارات القسم أجزم أننا خسرنا مكانتنا كخير أمة لأننا أهملناها وتركناها في غياهب الظلمات، ونحونا صوب الركاكة والتفاهة والتقليد للغات الأرض، وهنا ليس كرها "بلغات أخرى وإنما لأننا حقا"، بالغنا وأسرفنا في نحرها على عتبات الاستغراب وما به وما عليه من تأثرات، حيث تداخلت الألسن وفضلنا الافرنجي عليها وبات كلامنا بين لهجات متفاوتة وبين لغات متعددة وقدمنا الـ"مرسي" على شكرا" و"وسوري" على آسف وهلم جرى من الكلام المنمق بحروف غريبة لا تفي بما نريد أن نعبر عنه ولا تصرح عما تختلج فيه أنفسنا من مواقف ومبادئ وآراء.

صار حديثنا كأنه شجرة اصطناعية مزينة بالطابات الملونة وبالأشكال المزخرفة لا ننفع ولا نفيد للأسف، وسأستعين بعامية للتقريب للافهام أصبح كلامنا جعجعة والكل يحكي ويكتب معًا" والجميع لا ينصت حتى إلى الهنات ولا يدري بالزلات.

ومن باب الإيجابيات حتى لا نسترسل بسرديات سلبية أقول اللغة محصنة وما علينا إلا إقامة مهرجانات كثيرة لنعلنها ورشة استعادة حضارة أمة الوسط لتعتلي عرش خير الأمم: وذكر في القرآن الكريم:

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ..

هل هناك أفضل وأجمل من أن يحمل كل واحد من الناطقين باللغة العربية رسالة الهدي إلى القيام بالمعروف كله، حيث البناء والخير والإعمار والنهي عن المنكر، حيث يمنع السوء ويزيل كل ما يؤذي البشرية.

مقومات الحياة كلها في لغتنا وعليه واجب احياؤها وليس فقط فوق أرفف المكتبات ولا في مقررات الكتب الدراسية والمناهج، وإنما يجب أن تعيش في كل إنسان عربي قولاً "وعملاً" وترافقه وتشذب البذاءة من الأقوال وتصقل الألسنة كي تصل إلى ما كان عليه العرب، وحتى في الجاهلية كانوا أصحاب لغة عربية يفقهون قيمتها ويدرون أنها إنما وجدت للطيبات.

وحتى أنها تشبه الشجر المثمر الذي يزهر ويورق ويخضع لعناق شعاعات نور الشمس في عملية تجعل من الأخضر متفشي في كل منابت الأرض في البشر والتراب،  وبالتالي ننعم باللون الذي هو من ألوان كساء أهل الجنة، ولذلك نقول إذا ما نطقنا بالعربية ننزه حياتنا الدنيا لتصبح مثل للحياة الأبدية والنعيم السرمدي.

لنأخذ عبارة السّلام عليكم إفشاؤها يرطب العلاقات وينعشها ويسود جو من الألفة فيما بين الناس، وإذا ما أخذنا عبارة أخرى مثلاً "أحبك في الله" ترى في وقع أصواتها أثرًا بليغًا على الناس كلهم، حيث نرتقي معًا إلى الحب الذي هو أجمل ما في الوجود، ومع ذكر الخالق يجعلون من الناطق ومن المستمعين جوقة إيمانية رائعة الحضور.

وكم يفوتنا إذا ما جعلنا الناشئة في دوامة بين لغتنا وبين لغات أجنبية، مع العلم أن كل لسان بإنسان تشرح لنا إلزامية تعلم العربي للغات المختلفة، على ألا تتقدَّم على لغتنا العربية؛ لأن لغتنا مفاتيح الأبواب المغلقة وهي سر التوفيق في الأمور والتيسير في كل الدروب.

ولنقم لها الأفراح ونبدأ من إتقان اللغة شفاهة وتحريرا".

عذرًا" منك يا لغتنا ونأسف لأخطائنا ونعاهدك على أن نجعل ألستنا تلوك حروفك وأقلامنا تصيغها سبائك ذهبية براقة لامعة صفراء تسر القارئين والسامعين.

وأنهي مقالتي هذه بالدعاء لنا جميعًا بأن ننطق لغتنا الجميلة بمخارج حروفها الواسعة الرنانة، وأن نرسمها بأناملنا خطوطًا مستقيمة تتأرجح بين السكون والحركات لتظهر بلاغة الكلمات وفصاحتها وتسمها بالبيان.

وأن من بيانها لسر وسحر إذا ما أصاب إنسان رفع قدره وشأنه وصار بمرتبة إنسان عربي في حين وآن.

إذا ما وقعت علينا نحقق الهدف من وجودنا ونزكي قوة الإيمان في أعماق وجداننا، لغة أجمل ما يقال عنها أنها لغة القرآن وبشهادة المستشرقين تكاد تكون لغة أهل الجنة بالتأكيد وبالجزم وبالحزم لما فيها من مقدسات ونورانيات تحفها الملائكة ويصونها الرحمن.

لطيفة خالد مواليد لبنان طرابلس ١٩٦٤ كاتبة ولها أكثر من عشرة إصدارات نشرت ورقيا والكترونيا وهي عضو في اتحاد الكتاب اللبنانيين ومن مؤلفاتها أنا وقلمي في صور من الحياة .وذات الرداء الأبيض.لحظات هاربة.رجل من هذا الزمان.أبناء الشمس.أوراق الياسمين. اللؤلؤ المنثور. الكلمة الأخيرة.قلمي والنون.روفان.دمعات على خد الزمان.غزل البنات.قوت.قبلة الحياة. وهي عاشقة للغة العربية قلبها قلم ووتينها دواة .وطنها الجمال والابداع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

مارس 26, 2023, 10:39 م

💙

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
يونيو 6, 2023, 12:22 م - اسامه غندور جريس منصور
يونيو 6, 2023, 11:00 ص - إبراهيم عبد المجيد
يونيو 6, 2023, 9:38 ص - بوسلامة دعاء خولة
يونيو 6, 2023, 8:30 ص - احمد عزت عبد الحميد محيى الدين
يونيو 6, 2023, 8:01 ص - وليد عبد الغني السيد عبد اللطيف الغازي
يونيو 5, 2023, 6:05 م - عايدة عمار فرحات
يونيو 4, 2023, 12:03 م - زبيدة محمد علي شعب
يونيو 4, 2023, 8:48 ص - لطيفة محمد خالد
يونيو 3, 2023, 5:50 م - رايا بهاء الدين البيك
يونيو 3, 2023, 5:38 م - أميرة محمد المحيميد
يونيو 3, 2023, 5:27 م - محمد عبد القادر نوفل
يونيو 3, 2023, 12:31 م - هاني حمدي عبدالفتاح
يونيو 3, 2023, 12:19 م - أميرة أبو ماضي
يونيو 3, 2023, 9:37 ص - سلطان الوادعي
يونيو 2, 2023, 6:28 م - أميرة أبو ماضي
يونيو 1, 2023, 8:46 ص - عايدة عمار فرحات
مايو 31, 2023, 1:53 م - أمين عبدالقادر لطف أحمد
مايو 31, 2023, 10:26 ص - هاني حمدي عبدالفتاح
مايو 31, 2023, 8:29 ص - أميرة أبو ماضي
مايو 30, 2023, 8:46 ص - عائشة صلاح الدين
مايو 29, 2023, 11:19 ص - محمد عبد القادر نوفل
مايو 29, 2023, 10:53 ص - عبدالمجيد ايت اباعمر
مايو 29, 2023, 9:20 ص - ايمان عمر المصري
مايو 29, 2023, 8:26 ص - أيسل حسن قيطة
مايو 29, 2023, 8:01 ص - أيسل حسن قيطة
مايو 28, 2023, 2:19 م - نيفين عوض الله دميان
مايو 28, 2023, 12:25 م - اروى عماد شحادة
مايو 28, 2023, 8:06 ص - محمد عبدالكريم قاسم مصلح
مايو 26, 2023, 7:22 م - عصام أحمد عبدالله عياد
مايو 26, 2023, 11:24 ص - أميرة محمد المحيميد
مايو 26, 2023, 10:39 ص - يارا فائز يونس
مايو 25, 2023, 12:55 م - مني حسن عبد الرسول
مايو 25, 2023, 9:26 ص - رشا يوسف علي
مايو 25, 2023, 7:13 ص - محمديزن الياسين
مايو 24, 2023, 3:02 م - محمد أمين العجيلي
مايو 24, 2023, 2:46 م - نيفين عوض الله دميان
مايو 24, 2023, 11:13 ص - اسماعيل الخضر
مايو 24, 2023, 10:25 ص - نيفين عوض الله دميان
مايو 24, 2023, 9:47 ص - عائشة صلاح الدين
مايو 23, 2023, 12:27 م - اسماعيل الخضر
مايو 23, 2023, 11:54 ص - محمد العيادي
مايو 23, 2023, 9:17 ص - مدبولي ماهر مدبولي
مايو 23, 2023, 7:57 ص - لطيفة محمد خالد
مايو 22, 2023, 8:46 م - نيفين عوض الله دميان
مايو 21, 2023, 11:53 ص - محمد بخات
مايو 21, 2023, 11:41 ص - مدبولي ماهر مدبولي
مايو 21, 2023, 9:30 ص - أميرة محمد برغوث
مايو 21, 2023, 8:29 ص - مني حسن عبد الرسول
مايو 21, 2023, 7:57 ص - أميرة محمد برغوث
مايو 21, 2023, 7:50 ص - محمد بخات
مايو 20, 2023, 7:07 م - عايدة عمار فرحات
مايو 20, 2023, 2:33 م - ياسر عبدالحميد محمود سلطان
مايو 20, 2023, 8:27 ص - لطيفة محمد خالد
مايو 20, 2023, 8:06 ص - محمد سيد عبد الفتاح
مايو 19, 2023, 9:11 م - محمد الحقاوي
مايو 19, 2023, 8:20 م - شيرين زين العابدين
مايو 19, 2023, 7:42 م - عبدالمجيد ايت اباعمر
مايو 18, 2023, 10:31 ص - اسيل ممدوح لمع
مايو 17, 2023, 9:29 ص - أميرة محمد برغوث
مايو 17, 2023, 9:20 ص - اسماعيل على لطفي محمد
مايو 16, 2023, 5:02 م - لطيفة محمد خالد
مايو 15, 2023, 8:39 م - احمد عزت عبد الحميد محيى الدين
مايو 15, 2023, 5:34 م - زبيدة محمد علي شعب
نبذة عن الكاتب

لطيفة خالد مواليد لبنان طرابلس ١٩٦٤ كاتبة ولها أكثر من عشرة إصدارات نشرت ورقيا والكترونيا وهي عضو في اتحاد الكتاب اللبنانيين ومن مؤلفاتها أنا وقلمي في صور من الحياة .وذات الرداء الأبيض.لحظات هاربة.رجل من هذا الزمان.أبناء الشمس.أوراق الياسمين. اللؤلؤ المنثور. الكلمة الأخيرة.قلمي والنون.روفان.دمعات على خد الزمان.غزل البنات.قوت.قبلة الحياة. وهي عاشقة للغة العربية قلبها قلم ووتينها دواة .وطنها الجمال والابداع.