عندما أكتبُ بأبجديتي بحروفها الرائعة ومرادفاتها الجميلة، أشعر بأنني شعاعات من النور، وفي كل الأوقات وفي كل الحالات، في الحقيقة تجعلني أنصهر في معانيها وتلزمني الغوص في أغوارها، وإذا ما أهملت قلمي لحظة أمتلئ بالحزن على ما فاتني من مكرمات تسمو بنفسي وتعطيني جواهر وكنوز معنوية تزين لي منطقي وتزخرف لي كلماتي.
وبعيدًا عن الغلو لو أننا أوليناها قليلًا مما تستحق لكان أهل لغة الضاد في مقدمة العالم، وبلا بكاء ولا وقوف على الأطلال سوف نسعى جاهدين كي نسترها من براثن الاستهتار ومن مخالب العامية،
وبكل عبارات القسم أجزم أننا خسرنا مكانتنا كخير أمة لأننا أهملناها وتركناها في غياهب الظلمات، ونحونا صوب الركاكة والتفاهة والتقليد للغات الأرض، وهنا ليس كرها "بلغات أخرى وإنما لأننا حقا"، بالغنا وأسرفنا في نحرها على عتبات الاستغراب وما به وما عليه من تأثرات، حيث تداخلت الألسن وفضلنا الافرنجي عليها وبات كلامنا بين لهجات متفاوتة وبين لغات متعددة وقدمنا الـ"مرسي" على شكرا" و"وسوري" على آسف وهلم جرى من الكلام المنمق بحروف غريبة لا تفي بما نريد أن نعبر عنه ولا تصرح عما تختلج فيه أنفسنا من مواقف ومبادئ وآراء.
صار حديثنا كأنه شجرة اصطناعية مزينة بالطابات الملونة وبالأشكال المزخرفة لا ننفع ولا نفيد للأسف، وسأستعين بعامية للتقريب للافهام أصبح كلامنا جعجعة والكل يحكي ويكتب معًا" والجميع لا ينصت حتى إلى الهنات ولا يدري بالزلات.
ومن باب الإيجابيات حتى لا نسترسل بسرديات سلبية أقول اللغة محصنة وما علينا إلا إقامة مهرجانات كثيرة لنعلنها ورشة استعادة حضارة أمة الوسط لتعتلي عرش خير الأمم: وذكر في القرآن الكريم:
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ..
هل هناك أفضل وأجمل من أن يحمل كل واحد من الناطقين باللغة العربية رسالة الهدي إلى القيام بالمعروف كله، حيث البناء والخير والإعمار والنهي عن المنكر، حيث يمنع السوء ويزيل كل ما يؤذي البشرية.
مقومات الحياة كلها في لغتنا وعليه واجب احياؤها وليس فقط فوق أرفف المكتبات ولا في مقررات الكتب الدراسية والمناهج، وإنما يجب أن تعيش في كل إنسان عربي قولاً "وعملاً" وترافقه وتشذب البذاءة من الأقوال وتصقل الألسنة كي تصل إلى ما كان عليه العرب، وحتى في الجاهلية كانوا أصحاب لغة عربية يفقهون قيمتها ويدرون أنها إنما وجدت للطيبات.
وحتى أنها تشبه الشجر المثمر الذي يزهر ويورق ويخضع لعناق شعاعات نور الشمس في عملية تجعل من الأخضر متفشي في كل منابت الأرض في البشر والتراب، وبالتالي ننعم باللون الذي هو من ألوان كساء أهل الجنة، ولذلك نقول إذا ما نطقنا بالعربية ننزه حياتنا الدنيا لتصبح مثل للحياة الأبدية والنعيم السرمدي.
لنأخذ عبارة السّلام عليكم إفشاؤها يرطب العلاقات وينعشها ويسود جو من الألفة فيما بين الناس، وإذا ما أخذنا عبارة أخرى مثلاً "أحبك في الله" ترى في وقع أصواتها أثرًا بليغًا على الناس كلهم، حيث نرتقي معًا إلى الحب الذي هو أجمل ما في الوجود، ومع ذكر الخالق يجعلون من الناطق ومن المستمعين جوقة إيمانية رائعة الحضور.
وكم يفوتنا إذا ما جعلنا الناشئة في دوامة بين لغتنا وبين لغات أجنبية، مع العلم أن كل لسان بإنسان تشرح لنا إلزامية تعلم العربي للغات المختلفة، على ألا تتقدَّم على لغتنا العربية؛ لأن لغتنا مفاتيح الأبواب المغلقة وهي سر التوفيق في الأمور والتيسير في كل الدروب.
ولنقم لها الأفراح ونبدأ من إتقان اللغة شفاهة وتحريرا".
عذرًا" منك يا لغتنا ونأسف لأخطائنا ونعاهدك على أن نجعل ألستنا تلوك حروفك وأقلامنا تصيغها سبائك ذهبية براقة لامعة صفراء تسر القارئين والسامعين.
وأنهي مقالتي هذه بالدعاء لنا جميعًا بأن ننطق لغتنا الجميلة بمخارج حروفها الواسعة الرنانة، وأن نرسمها بأناملنا خطوطًا مستقيمة تتأرجح بين السكون والحركات لتظهر بلاغة الكلمات وفصاحتها وتسمها بالبيان.
وأن من بيانها لسر وسحر إذا ما أصاب إنسان رفع قدره وشأنه وصار بمرتبة إنسان عربي في حين وآن.
إذا ما وقعت علينا نحقق الهدف من وجودنا ونزكي قوة الإيمان في أعماق وجداننا، لغة أجمل ما يقال عنها أنها لغة القرآن وبشهادة المستشرقين تكاد تكون لغة أهل الجنة بالتأكيد وبالجزم وبالحزم لما فيها من مقدسات ونورانيات تحفها الملائكة ويصونها الرحمن.
مارس 26, 2023, 10:39 م
💙
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.