أريد أن أقول لكل أحبتي الكرام، إن الله يغار على قلب عبده المسلم، فلا يقبل منه أن يتعلق بأحد وينساه.
وما أكثر قصص العشق والتعلق، إذ تصبح راحة ذلك الإنسان المحب الولهان، متعلقة بقربه من حبيبه، وسعادته متوقفة على وجود ذلك الإنسان في حياته، ونسي أن الله هو مقدر الأقدار، وهو الرازق والمانع أيضًا.
وكم تصلني من رسائل ممن تشكو من هجر حبيبها أو خطيبها أو زوجها، ومنهم من وصل به الحال للسفر خارج الأوطان لنسيان حب حياته الذي لم يهنأ به يومًا، ومن وصل به الأمر لتعاطي الخمور والممنوعات من أجل نسيان تلك الحبيبة التي خدعته.
تتعدد القصص والمآسي، وتحضرني قصة أحدهم، كانت أمه جارة جدتي رحمهما الله برحمته الواسعة، كانت أمه متدينة جدًّا جدًّا، وملتزمة بحضور دروس الدين وتحفيظ القرآن الكريم.
صادف أن رأى هذا الشاب ذات مرة فتاة من حيهم، أعجب بها حد الافتتان، وأصبحت لا تفارق عقله ولا قلبه، يهيم بها حبًّا، ولا يرى أي سعادة إلا بقربها.
فاتح والدته بنيته الزواج من تلك الفتاة، والصاعقة الكبرى أن والدته رفضت هذا رفضًا قاطعًا لا رجعة فيه، حاول معها بكل الوسائل، لكنها أقسمت عليه إن عاود فتح الموضوع بأن تتبرأ منه.
وكان سبب الرفض أن أهل الفتاة لم يكونوا على تدين حقيقي، وهي ترفض أن تكون زوجة ابنها على غير تديِّن وحشمة كاملة.
شعرت بأن تلك العائلة لا تشبهها في حرصها على العبادة وَفْقًا لقناعتها، ففضلت الرفض.
أما الشاب فقد سافر بعيدًا وبقي مدة 10 سنوات دون زواج، بل لم يرغب في أي فتاة أخرى مهما بلغ جمالها، فالقلب تحطم على أسوار بيت الحبيبة!
دار الزمن، وعندما أراد الزواج انتظر أن تكبر ابنة أخت تلك الفتاة، وقتها أمه أصبحت عجوزًا مسنة، لا طاقة لها باعتراضه، فوافقت على زواجه، بعدما رأت من معاناته السابقة.
وكان الأمر كما أراد، فتزوجها وشعر بأنه أخذ النسخة القريبة من حبيبته التي كانت قد أصبحت أمًّا لعدة أطفال.
الخلاصة، أنني حَسَبَ خبرتي في هذه الحياة، وكثرة القصص الواقعية التي أعرف أصحابها، لا تكاد تكتمل قصة حب وتعلق إلا بمأساة لأحد الطرفين أو كليهما.
بل كثيرة هي تلك القصص التي تتحدث عن طلاق عاشقين بعد قصة حب دامت سنين طويلة.
بل توجد من تتزوجه بعد علاقة حب عنيفة، ثم يسجن أو يموت، أو يخونها... إلخ.
أما تلك العلاقات المبنية على العقلانية منذ البداية، والعفة التي كان فيها الحب يسير جنبًا إلى جنب مع الإيمان والبعد عن التعلق الزائد، فتجد أن تلك العلاقة يبارك فيها الله تعالى في ما بعد، وتتعمق الصلة بينهما، وتصبح أقوى مع مرور الوقت، بل يصبح فيها الزوجان صديقين مقربين وشلة واحدة.
وعبر التاريخ، غالب قصص التعلق والهيام والعشق لم تنتهِ على خير.
فسبحان من يغار على قلوب عبيده، فلا يرضى إلا أن يكون هو الأول في تلك القلوب قبل كل شيء، وأن يكون هو المذكور في كل حين قبل كل أحد.
فمن لم يتعلق بالله، ابتلي بتلك الأمراض القلبية من التعلق الزائد عن الحد، الذي يجعل الإنسان قليل الأكل والكلام، بل يهجر الأهل والبلاد، ويهيم على وجهه بلا هدى، ويا ليته يحصِّل مراده، بل هو عذاب مقيم بالقلب، لا دواء له إلا بالرجوع لله سبحانه وتعالى.
فالعلاقة الصحية الطبيعية بين الأحبة يجب أن تكون متوازنة، ويحكمها العقل لا القلب وحده، فحبيبك معرض للفقد.. للمرض.. للسفر.. فمهما بلغ حبك له، عليك أن تقدم محبة خالقك ورسولك في قلبك عن كل أحد، حتى يبارك الله لك في محبتك الصادقة العقلانية لزوجتك، ويجعل علاقتكما أقوى مع الأيام.
قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار".
فكل قلب احتوى حب وعشق البشر، وبعدًا عن الله، ناله الألم والشقاء والخيبة، فلا هو ارتاح بحبه وعشقه المحبوب، ولا هو نال رضى الله عنه، فأي شقاء بعد هذا الشقاء والعياذ بالله.
أما ما نشاهده من أفلام العشق والتعلق بين أبطال الفيلم، فما إلا أعمال درامية موجهة للربح ولا تعبر عن الواقع، ولا هي حياة أبطال الفيلم الحقيقية، فحياتهم مثل حياة أي إنسان، وكل تلك المشاهد تجارة محضة لزيادة المتابعة والربح لا أكثر.
لذلك اجعل الله حبيبك ورفيقك قبل أن تحب أحدًا، حتى يريحك الله بحب من تحب.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.