اليوم في ساعة عشوائية وقت العصر، عندما كانت شمس الظهيرة تنقشع تدريجيًّا عن الشوارع ورؤوس العامة، أسندتُ رأسي على النافذة المرتعشة للعربة، وأخذ الهواء يتدافع على وجهي في غير هوادة.
لم أستطع أن أفتح عينيّ كليًّا ولا أن أغلقها حتمًا..
أحببتُ ذلك، أحببتُ ذلك حقًا لأنه كان يغطي على وجيب قلبي المتواصل والعالي.
اليوم كان يومًا متعبًا، وأيًا منا لم يكن يومه متعبًا أليس كذلك؟
لكنه كان تعبا جديدًا، تعبًا فريدًا.. تعبًا سوف تتذكره غدًا وبعد غد وبقية الأسبوع..
لكن مجددًا، أيًا منا لا يتعب مثل ذلك التعب؟
اليوم وقبل وقت العصر عندما كانت شمس الظهيرة ما زالت تتجلى فوق الأدمغة، تُصهر الملابس تدريجيًّا وتُذيب المشاعر وتُنهِك لأجل المصالح، كان المكان الذي اعتدتُ عليه لسنوات والمكان الذي يحمل بين أتربته ذكريات وضحكات والمكان الذي سأودعه بعد بضعة شهور خالٍ..
لأول مرة خالٍ.. خالٍ حتى من صدى الأصوات البعيدة، ومن وقع عجلات صاحب المقهى، ومن الأوجه المُنهكة..
أتذكر في صغري وفي نفسي قبل بضعة أشهر كم وددتُ لو رأيته خاليًا، لو رأيتني بعيدة..
اليوم كنت بوسطه وإجتُررت من فوقه رغمًا عني..
اليوم كنتُ بوسطه وكان تمامًا خاليًا حتى مني..
اليوم رأيتُ الورود الحمراء والوردية، بل لاحظتها لأول مرة..
ورأيتُ مبنى قُرب بيتي قد هُجر تمامًا استعدادًا للهدم، بل شعرتُ به لأول مرة..
ورأيتُ مربعات سكنية نزعت الحقول الخضراء أمام شرفتي، بل حزنتُ لها.. لأول مرة..
دائمًا ما تتربص بي فكرة النهايات، المغادرة، الوداع والوقت الذي مضى..
هذا الرجل اللطيف الذي دلَّني على الطريق لأول مرة ولن أراه مجددًا ربما حتى لن أتذكره إذا رأيته..
أوراق الشجر الذابلة التي لن أشهد إزهارها في هذا المكان مجددًا، وربما حتى لن تكون هناك إن عدت ..
أو كما هي حال الدنيا .. لن يبقى هذا المكان..
أو لن أكون أنا كأنا مجددًا بعد بضع سنين..
ربما لن أفتقد فقط هذا المكان..
ربما سأفتقد نفسي وقتها، سأفتقد تلك النسمة الباردة التي أنعشتني وسط يوم حار بأغسطس.
اليوم في ساعة عشوائية وقت العصر عندما كانت شمس الظهيرة تنقشع تدريجيا عن الشوارع ورؤوس العامة، أسندت رأسي على النافذة المرتعشة للعربة، وبأغنية تهمس بإذني وخلف قلبي عندما كنت أغمض عيني، أنا ومغني في سبعينيات القرن الماضي تمنينا أن نحفظ الوقت في زجاجة.
أغسطس 19, 2023, 2:44 م
بالتوفيق لك
أغسطس 19, 2023, 3:00 م
أشكرك 🤍
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.