خاطرة "الهروب من الواقع وإليه".. خواطر وجدانية

أيُّها الإنسان، أيُّها المغرور الذي كلفت حمل أمانة تنوء من حملها الجبال، أمانة التكليف والمسؤولية، فهل ستصمد أمام كل هذه المشكلات والأزمات التي تتعرض لها!

فما أن تهدأ وتشعر بالطمأنينة النسبية لأن بعض مشكلاتك قد لاحت في الأفق حلولاً لها، إلى أن تطل عليك برأسها مشكلات أشد وأعقد، فهل ستثبت وتقاوم من أجل البقاء أم لن تستطيع المواصلة والاستمرار!

تلك هي المفارقة الوجودية التي دومًا ما نتحدث عنها، نكون أو لا نكون، كما كان معتقدا قديما، أما الآن، فأرى أن نكون أو نكون لا حل آخر.

لا بديل عن الكينونة؛ فالإنسان بما هو موجود فلا يمكن بحال من الأحوال أن يتحول إلى اللا وجود، لماذا؟! لأنه وجود حي يعيش في مجتمعه ومن ثم بات الأمر ملحًا أن يتواءم إيجابًا لا سلبًا مع متغيرات هذا الواقع وأزماته المستمرة.

نعم، لا أحد ينكر ذلك أن مشكلاتنا كثيرة وعويصة لكنها ليس عصية الحل، أول هذه الحلول، ضرورة التحدي والمواجهة لا الانزواء والانطواء على الذات، هذا الانطواء قد يقود المرء إلى الإصابة بالأمراض النفسية كانفصام الشخصية والتوحد الذي قد يودي بالمرء إلى كراهية حياته، ويصاب بالاكتئاب أو بالاضطرابات النفسية، بل وقد يجعله ذلك يقدم على أعمال عدائية ضد نفسه قد تقوده إلى الانتحار أو الاتجاه إلى المخدرات أو ممارسة أعمال عدوانية تجاه الآخرين من أهل بيته أو محيطه الاجتماعي الذي يعيش فيه.

أو قد يودي به ذلك إلى الإصابة بالأمراض العضوية المزمنة، والنتيجة تدمير الذات الفرد، التي بدورها ستسعى لتدمير المجتمع جميعًا، ومن ثم بات الأمر ملحًا إلى ضرورة المواجهة.

لكن ما أهم الأزمات التي يتعرض لها الإنسان؟

أول هذه الأزمات، على المستوى الشخصي، أزمة الذات وانسحاقها، وأن الإنسان يشعر بفقدان ذاته وضياع هويته، وأنه أصبح كريشة في مهب الريح، يحارب طواحين الهواء ويسبح منفردًا ضد التيار، يكافح من أجل البقاء إنسان بما هو كذلك بقيمه، بأخلاقه، بعلمه، يوظف جل فكره للبقاء هو هو كما هو، على الرغم من كثرة المغريات المادية التي تعرض عليه.

وثاني هذه الأزمات، على المستوى الأسري وتنقسم إلى أقسام عدَّة، القسم الأول، مادي، كيف يوفر رب الأسرة حياة كريمة لأسرته مع محدودية دخله وتلك معضلة تعتمد على النسبة والتناسب، فهل سيحدث انسجاما أسريا بذلك ؟!.

أما القسم الثاني وهو المعنوي، الذي يتمثل في كيفية تنشئة أبناء صالحين يستطيعون إفادة أنفسهم وإفادة من حولهم من بني جلدتهم، وهذا يعتمد على تهيئة مناخ أسري صالح عن طريق تنمية الوعي والإدراك وإشعار الجميع بالمسؤولية تجاه الجميع.

كذلك عن طريق إحياء الوازع الديني عند الأبناء وتوضيح أهمية الطاعة، طاعة الله تعالى التي انبثق منها طاعة الأبناء لآبائهم وأمهاتهم.

كذلك طاعة الآباء لأبنائهم عن طريق الإنصات إليهم والاستماع إلى شكواهم ومصاحبتهم.

وكذلك إحياء فضيلة الحب عند الجميع، الزوج يحب زوجته والعكس، فكل ذلك سينعكس بالضرورة على خلق جو أسري يسوده الود والتقدير والاحترام، مما يؤثر ذلك إيجابيًّا على المجتمع.

أما على المستوى المجتمعي فكثيرة هي مشكلات المجتمع، سواء المجتمع المحلي أو الإقليمي أو العالمي التي تقتضي الضرورة المنطقة إلى التدخل العاجل والسريع جدًا لإيجاد حلول لها، كالأزمات الاقتصادية العالمية وانعكاساتها على المجتمعات النامية وما يترتب عليها من آثار اجتماعية تعصف بالمجتمع عصفًا إلى الوقوف في براثن الرذيلة، والانحرافات الأخلاقية، كالتسرب من التعليم، والبطالة، وكل ذلك يقود إلى الوقوع فيما لا يحمد عقباه.

ومن ثم بات الأمر ملحًا لعقد الندوات والمؤتمرات المحلية، كمؤتمر الحوار الوطني، وكالندوات والمؤتمرات الإقليمية والعالمية التي تعقدها المنظمات العالمية كمنظمة اليونيسكو، الذي ينبغي أن تفعل نتائج وتوصيات مثل هذه المؤتمرات.

قِس على ذلك مشكلات السياسة كعلاقة الحاكم بالمحكوم، ومشكلات الأحزاب السياسية، وهل فعلاً هذه الأحزاب تؤدي دورها كما ينبغي.

أيضًا مشكلات التعليم والنهوض به، وتوفير مناخ صحي بعملية تعليمية مربعها المدرسة والتلميذ والمعلم والكتاب.

كذلك مشكلات الإعلام بكل صوره سواء مشاهد أو مسموع أو مقروء، هل حقًا لدينا إعلام على قدر المسؤولية تختفي فيه الوساطة والمحسوبية والتطبيل، إعلام تقع على عاتقه مسؤوليات جسام، فالكلمة لها وقع السحر على المتلقي.

كثيرة هي مشكلاتنا، كالمشكلات الثقافية والاهتمام بالثقافة عن طريق إحياء دور مكتبة الأسرة والثقافة الجماهيرية، وعقد اللقاءات المفتوحة والمؤتمرات التي ينبغي أن يدعى إليها كبار الكتاب والأدباء مع ضخ دماء شبابية جديدة تثري الحياة الثقافية، والفرص متاحة الآن، ونحن مقدمون على الإجازة الصيفية.

نعم هل ننزوي وننغلق على أنفسنا هروبًا من هذا الواقع أما سنواجهه بكل تحدياته ومتغيراته، حتى إذا أردنا ذلك فلن نستطيع لماذا؟! لأن المشكلات ستأتينا فرادى ومجتمعة رغمًا عن أنوفنا، ولن نجد قرارًا منها وفكاكًا عن مواجهتها.

فإذا ما حاولنا الهروب من واقعنا سنهرب منه إليه.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
سبتمبر 30, 2023, 10:19 ص - طبوش محمد
سبتمبر 27, 2023, 5:44 ص - ياسر الجزائري
سبتمبر 26, 2023, 1:36 م - سهامحمدنبيل٩٩
سبتمبر 26, 2023, 1:04 م - ليلى أحمد حسن مقبول
سبتمبر 26, 2023, 8:04 ص - سكينة أم ناصر
سبتمبر 26, 2023, 7:50 ص - د.أحمد عادل عثمان
سبتمبر 26, 2023, 6:23 ص - خلود محمد معتوق محمد
سبتمبر 25, 2023, 6:34 م - فاطمة علي عبدالله الزهراني
سبتمبر 25, 2023, 12:34 م - مجانة يمينة
سبتمبر 24, 2023, 1:56 م - أنس بنشواف
سبتمبر 24, 2023, 12:21 م - مريم محمد إسماعيل
سبتمبر 23, 2023, 5:58 م - بوعمرة نوال
سبتمبر 23, 2023, 1:58 م - محمد أحمد سعيد غالب الشيباني
سبتمبر 23, 2023, 1:28 م - علاء الدين حاتم
سبتمبر 23, 2023, 11:04 ص - ميساء محمد ديب وهبة
سبتمبر 22, 2023, 11:14 ص - ميساء محمد ديب وهبة
سبتمبر 20, 2023, 6:05 م - صفا علي الشرقاوي
سبتمبر 20, 2023, 12:56 م - مجانة يمينة
سبتمبر 20, 2023, 5:34 ص - أسماء محمد حمودة
سبتمبر 19, 2023, 1:12 م - بومالة مليسا
سبتمبر 19, 2023, 7:11 ص - عزالعرب سلمان
سبتمبر 19, 2023, 6:14 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 18, 2023, 5:28 م - أمين عبدالقادر لطف أحمد
سبتمبر 18, 2023, 7:47 ص - سادين عمار يوسف
سبتمبر 17, 2023, 9:13 ص - مها عبدالمنعم عوض
سبتمبر 16, 2023, 4:04 م - عبد الله عبد المجيد طيفور
سبتمبر 16, 2023, 6:56 ص - رهف ابراهيم ياسين
سبتمبر 14, 2023, 7:27 م - محمود إبراهيم حفنى
سبتمبر 14, 2023, 7:03 م - زكريا عبده عمر عبده
سبتمبر 14, 2023, 11:14 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 14, 2023, 8:53 ص - ليلى أحمد حسن مقبول
سبتمبر 13, 2023, 6:16 م - بوعمرة نوال
سبتمبر 12, 2023, 9:10 م - مايا عز العرب عزالدين
سبتمبر 12, 2023, 7:28 ص - شروق محمد العمري
سبتمبر 11, 2023, 6:11 م - بوعمرة نوال
سبتمبر 11, 2023, 5:48 م - أ . عبد الشافي أحمد عبد الرحمن عبد الرحيم
سبتمبر 11, 2023, 11:19 ص - صفاء السماء
سبتمبر 11, 2023, 11:00 ص - البراء القاضي
سبتمبر 11, 2023, 9:35 ص - هاني ميلاد مامي
سبتمبر 11, 2023, 6:13 ص - ايمان مسعد الحربي
سبتمبر 10, 2023, 6:27 م - مصطفى ضياء
سبتمبر 10, 2023, 2:12 م - محمد محمد الملاحي
سبتمبر 10, 2023, 1:36 م - أنس مروان المسلماني
سبتمبر 10, 2023, 11:47 ص - بوسلامة دعاء خولة
سبتمبر 10, 2023, 11:09 ص - رمضان سعيد احمد حامد
سبتمبر 10, 2023, 10:33 ص - منه عبدالله
سبتمبر 10, 2023, 7:06 ص - ياسر حسين
سبتمبر 8, 2023, 12:08 م - محمد محمد الملاحي
سبتمبر 7, 2023, 1:56 م - محمد محمد الملاحي
سبتمبر 7, 2023, 12:06 م - عهد عهد العهد
سبتمبر 6, 2023, 6:51 م - عبد الله أحمد السَّكبي
سبتمبر 6, 2023, 6:29 م - سمر حسن العزايزه
سبتمبر 6, 2023, 10:37 ص - رزان عمر عبدالله الحاج
نبذة عن الكاتب