- "أمي هو الميت بيتنفس في القبر؟". كان هذا سؤالي لأمي منذ 20 عامًا، إلى أن أمسكت تلك الورقة الملقاة على الأرض، فقالت:
- "لا يا فارس احنا بنبقي زي الورقه دي بص مهما تطبق ولا تحرقها مش بتحس".
فقلتُ لها:
- "يعني واحنا في القبر مش بنحس بحاجة؟".
قالت وهي تمسك يدي:
- "لا يا حبيبي ربنا يطول في عمرك وأشوفك عريس".
ومضت الأيام والليالي وأصبح الطفل رجلًا والأم عجوزًا، فلم يتزوج فارس، وبقيت الأم أمامه وعيناها تغرقان بالدموع؛ ليس على سنوات عمرها التي مرت، بل على هذا الطفل الذي بقي طفلًا حتى عندما أصبح رجلًا.
كان رافضًا للزواج، حتى علاقاته الاجتماعية كانت شبه منعدمة. لم يرَ في الصديق صدقًا ولم يرَ في الأخ أخًا، ولم يرَ للعائلة مكانًا، ولم يرَ في أحدٍ قلبًا مثل قلبه.
اكتفى بنفسه التي كانت تبكي على حالها عندما يأتي معاد النوم حتى يُدرك الفراش، وهو على علم بأنه ذاهب للبكاء. كان ولا يزال طفلًا رغم تخطيه 32 سنة، فما زال يستمع ويشاهد ويأكل ويلعب كأنه في العاشرة من عمره.
كانت تراوده أفكار عدة عن كيف يعيش دون أمه، وكيف يكمل ما تبقى من سنوات عمره. كان يخفي عن الجميع ما يبكيه ويضحك دون ابتسامة..
تراه دائمًا يحدث عقله "إلى متى سأظل هكذا الجميع من حولي يبحث عن سعادة نفسه، أرى اصدقائي وهم ممسكين بأبنائهم، وهم ذاهبين بزوجاتهن للتنزه، حتى أقرب الأصدقاء لا يشغلهم سوى أنفسهم فقط"..
لم يرَ في أحدٍ سندًا كما كان يظن بهم، لقد تركه الجميع وحده، وذهبوا لمستقبلهم وبقي كما هو ينتظر الصباح إلى أن تأتي الظهيرة وبعدها غروب الشمس ويستقبل الليل..
كان عقله الشيء الوحيد الذي كان يعشقه، الذي كان يتحدث معه ويخبره أنه ما زال على قيد الحياة ولم يمُت، حتى جاء يوم وجلس مع نفسه، وأدرك جريمته التي جعلت منه جسدًا دون روح، عقلًا دون هاوية.
أدرك ولكن بعد فوات الأوان بعدما هرب منه العمر أنه كان يجب أن يكون له أسرة تساعده على الحياة..
أدرك أنه يجب أن يكون له طفل ليصبح له الصديق الذي كان يبحث عنه طيلة عمره ولم يجده. اكتشف بعد فوات الأوان أن الموت هو الحل الوحيد حتى تنتهى تلك المعاناة، فلم يستطع أن يتأقلم مع هذا المجتمع القاسي وهؤلاء البشر أصحاب القلوب السوداء.
مؤلم جداً هذا شعور بي الوحده احسنت
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.