يُقال إن النضج مُكلِف لذلك هو مُلفت، وكلما زادت درجة نضج الإنسان ووعيه فتحت عينيه على ما لم يكن يدركه من أبعاد جديدة في حياة تغير أسلوبه فيها، وتمكنه من التماس أسباب جديدة للهناء والرضا، ومن عُميَ عن ذلك يبقى في شقاء لا نهاية له.
كثرة التجارِب تُحدِث النضج وهو ما يُحدث وعي الشخص بما يدور حوله وما يُكسبه رؤية مختلفة وعميقة تجاه أمور معينة..
صحيح أن العفوية والمشاعر الطفولية لها وجه خاص من الجمال، لكنه موقوت بمدة زمنية محددة..
الفطرة الإلهية موجودة على تسلسل زمني وعقلي محدد حتى لا تفيق على صدمة أنك شبت ولم تكن جاهزًا لهذا الشيب، فلا بد للطفل أن يكبر ولا يصح للإنسان أن يبقى طفلاً، لا بأس بتغليف نضجك بغلاف خفيف من الطفولية يجعل مظهره جذابًا وغير منفِّر.. عندما نقول النضج لا يعني الخشونة ولا التهجم والعبوس..
لكلٍ منا زاوية نظر معينة ربما يتفق البشر على مفهوم معين للنضج، مثلاً أن تكون شخصًا ذا خصوصية أكثر أو أن تتحلَّى بنوع من الصرامة في التعامل والحديث حتى مع الدائرة الحمراء.
يرى علماء النفس أن النضج هو حالة من التوافق تُشير إلى اكتمال وتناغم العمل ما بين وضائف الإنسان المختلفة العقليّة والجسديّة والفسيولوجيّة والروحية والاجتماعية.
شخصيًا أرى النضج قرار سواء أكنت مخيرًا أو مجبرًا على اتخاذه؛ إذ نجد أسراً تملؤها المشكلات، ويكون من بين أفرادها شخص يحيا بسلام؛ لأنه قرر ألا يكون مثل البقية وألا يتبع القطيع، ويوجد نماذج من العائلات التي تقوم على أساس الوعي والحكمة، فنجد الصغير فيهم يشبه الكبير في حكمته ووعيه أو العكس.
فعندما يعي الإنسان حياته ويعرف وجهته الأخيرة إلى أين فيها، يتغيَّر في الشخص الكثير من الجوانب، فيتبدل به الحال من دور الضحية لدور المسؤول الواعي عن نفسه وأهدافه وحياته ويعبئ طاقته من جديد ليخفف أثر ضغوط الحياة والإدراك التام بنهاية لكل شيء.
أدركتُ أن الكثير من البشر يعيشون في ثقافة الإنجازات والمظاهر أمام بعضهم أكثر من الوصول للوعى الذاتي بالذكاء العاطفي والاجتماعي والتعليم العلائقي، فلا عجب ملاحظة الذين لا يعرفون ذواتهم أو لا يعرفون طريقة تلبية حاجاتهم، يصبحون أشخاصًا ضعفاء ليسوا قادرين على تحمل مسؤولية أنفسهم، فقط إظهار ما يجب إظهاره بغض النظر عما هم بحاجته فقد يبدو لهم ذلك أمر مخيف كتحمل المسؤولية الكاملة بدل الإنكار.
في حسابات مواقع التواصل الاجتماعي لبعض الأشخاص التي من المفروض تظهر شخصيتهم من خلال ما ينشر في صفحاتهم تجدهم يتداولون موضوع النضج بأسلوب أدبي شاعري يرمي إلى الوحدة والانعزال في عالم لا أعرف كيف يْخيل لهم..
في نفس السياق تجدهم ينشرون كلمات أكاد أجزم أنها وليدة مريض نفسي.
وفي حقيقة الأمر أن النضج لم يقاس يومًا بالعمر وهذا ما يتغافل عنه هذه الفئة على وجه الخصوص، فالكبير عمرًا قليل النضج في كثير من الأحيان تجده لم يجرب أدنى أنواع تحمل المسؤولية ولم يدرك معناها بعد، بينما يوجد من تزاحمت عليه تجارب الحياة جعلته يعي ذلك المعنى الحقيقي لها.
• التعليم العلائقي: القدرة على ملاحظة وجود روابط وعلاقات في الساق بمختلف المعطيات.
• الدائرة الحمراء: هم الأشخاص من الدرجة الأولى من القرب كالعائلة مثلاً.
مايو 10, 2023, 5:47 م
بالتوفيق 👍
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.