المقولات القصيرة الرائجة -كنت أود أن أقول الرائعة- تلك المنتشرة بدرجة كبيرة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومواقع الإنترنت.
هذه المقولات في الأصل تكون جُملًا قصيرة تهدف إلى التعبير عن فكرة، أو رأي، أو حكمة، أو خلاصة تجربة، أو رسالة، أو دعوة لشيء بطريقة مُبسطة ومختصرة، تختزل في محتواها معنى عميقًا، لهذا فهي لها قوة تأثير «نفسي عقلي» شديد جدًّا.
زادت خطورة المقولات القصيرة المنتشرة، بسبب قوة تأثيرها، وسهولة استخدامها، وسرعة انتشارها.
يجب الاعتراف بتأثير هذه المقولات القصيرة في الناس، فعندما نقرأ مقولة قصيرة ومعبرة، يمكن أن تثير فينا المشاعر، وتؤثر في آرائنا وتصوراتنا، وقد تغير وجهتنا تمامًا، قد نتخذها مبدأ، أو دليلًا نستند إليه، ورغم عدم اعتمادها من الأساس دليلًا، فإنها طريقة قوية لنشر الأفكار، والمعتقدات والتأثير، وتكوين الرأي العام.
تحمل المقولات القصيرة خطورة كبيرة، إذا انتشرت وتداولها الناس بطريقة غير منضبطة، كما هو الحال في بعض الأحيان، أو كلها الآن، فتنتشر مقولات قصيرة دون التحقق من صحتها، أو مصداقيتها، أو نسبها، ما يؤدي التي نشر المعلومات الخاطئة، والأفكار المُضللة، ويمكن أن تظهر هذه المقولات بعدِّها أمثالًا شعبية، أو رأي عالم، أو عابد، أو فلسفي، حتى إنها طالت الأنبياء، أو تكون أخبارًا مزيفة، أو إحصائيات غير صحيحة، أو إشارات غير دقيقة، ما يؤدي التي خلط الحقائق بالأكاذيب، ومن يتبين غير أولي الألباب؟
نجد أنهم يعتمدون على فئة السُذَج سريعي التأثر والتفاعل دون تبين -لأنهم الغالبية العظمى المستخدمة لمواقع التواصل الاجتماعي- لانتشار هذه الفيروسات، ويبدأ زرع الأفكار السلبية بتلك المقولات القصيرة حجمًا ومضمونًا.
إليك مزيد مما يحدث الآن في الحرب النفسية التي تغزو العقول.. إنها حيلة قديمة اسمها زرع الأفكار، يمكن استخدمها بأمانة وشرف، للمساعدة والدعم والتوجيه للتغيير للأفضل، ويمكن العكس كما هو الحال الآن، إذ إن أشهر استخدام لها في مجال الدعاية الإعلامية.
يمكن للمقولات القصيرة المنتشرة، أن تزرع الشكوك والمخاوف والتوترات في النفوس، تدعو إلى يأس أو أمل زائف، تشكك في حقائق، أو عقائد بطريقة غير مباشرة، ما يؤثر في الاستقرار النفسي والعاطفي للأفراد والمجتمعات.
يتلاعب بعض الأشخاص بالمشاعر والعواطف لتحقيق أجنداتهم الخاصة، عن طريق نشر تلك المقولات القصيرة المُشعة بالسلبية، والتحريض.
كنا نُسميها قديمًا «السم في العسل»، وللأسف لا يمكن التحكم في السذج عاطفيًّا، تلك الفئة سريعة التفاعل والنشر، بسبب غالبيتها وقوة فاعليتها، لكن من الضروري أن نتحقق من صحة المقولات القصيرة قبل أن ننشرها أو نتداولها، بحُكم العقل وطبيعة أمر الديانات.
يجب علينا أن نكون حذرين، ونتبين الصحة، وليس الصحة فقط، نتبين السم فيها، فقد تكون المقولة صحيحة، لكن بها فكرة خبيثة في كلمة ما، ربما نظنها بسيطة، ولكن كل الخطر في ما نظنه هينًا وهو عظيم، ويجيب أن نفحص المصدر، ونتحقق من النسب قبل النشر؛ لأنها أمانة قد تُكلف من نُسبت إليه سُمعته، فقد طالت الأنبياء، والآن وصلت لتفاسير الكتب بغير حق.
والآن نجد ظهور فئة جديدة تمكنت من التكاثر بغزارة في الظلام، حتى تمكنت من الظهور بقوة، وهي فئة حكم «ظهر التوكتوك»، ولا أجد داعيًا للحديث عنها حتى لا يتسخ المقال؛ لأنها لم تقف عند استباحة خلط البذاءة بالحكمة الأصيلة، بل اصطنعت مصطلحات حطيطة، أعجبت البسطاء الذين لا يستطيعون النظر إلى المدى البعيد، ثم حولت الحكمة إلى سخرية، ثم إلى بذاءة تدعو إلى بذاءة، واستباحت حروف لغتي الشريفة.
إنها جاءت بحالة لا ترتقي لأن نسميها ثقافة جديدة، مجرد حالة ناتجة عن تخلي الفرد عن كل الثقافات، وللأسف أخذت مسمى المرح والرفاه الحديث.
يعبثون بشرف لغة الارتقاء للعِزة، التي أخرجت الناس من الظلمات التي النور، فنقلب الآن الحال، وبعد أن كان السم في العسل، أصبح السم في السم الصافي.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.