شاء الله اليوم وأنا في محطة قطار في محافظة إقليمية أن تطلب مني إحدى السيدات أن أساعدها في إنزال ما تحمله على رأسها إلى الأرض، وكانت تحمل (قفص تين شوكي)، ولاحظت وأنا أساعدها في إنزاله من على رأسها أنه ثقيل للغاية لدرجة أنني لم أستطع أن أساعدها بمفردي، فانضم لي آخر، وحينها سألت نفسي: كيف لتلك السيدة أن حملت وتحمَّلت كل هذا الوزن على رأسها في هذا المناخ شديد الحرارة.
ليس هذا فقط وإنما ستبدأ رحلة بيع هذا التين وهذا سيحتاج إلى ساعات حتى تنتهي من بيعه حسب ما يُقدر الله لها في رزقها. وفهمت من أطراف الحديث بينها وزميلتها أو صديقتها أن زوجها مريض وهي من تتكفل بمصروفات أسرتها، حينها أصبحت أكثر إيمانًا أن من نعم الله على مصر أن وهبها نساءً أقل ما يوصفن به أنهن نساء ذهبيات.
امرأة أخرى كانت بطلة إحدى مقالاتي وكانت بعنوان (المروءة المتحركة) وذكرت أن تلك السيدة كانت تكافح من أجل أخيها المريض، وكانت تسافر له من قريتها إلى القاهرة يوميًّا حتى تكون بجواره وترعاه، رغم أنها زوجة وأم وكانت حائرة بين بيتها وأبنائها وواجبها تجاه أخيها، وكان من السهل أن تقول إن هذا ليس دوري؛ فوالدي ووالدتي لا يزالان حيين وعليهم أن يرعيا ابنهما الوحيد.
ولكنها ضربت لنا أروع نموذج في المروءة والوفاء والعطاء، وشاء الله أن يتوفى الأخ، وشاء القدر مرة أخرى أن تضرب لنا نموذجًا جديدًا في العطاء، فقبل حتى إن تنتهي من حزنها على أخيها شاء الله أن يمرض رضيعها فتظل محجوزة معه في المستشفى مدة شهر ونصف لا تخرج من المستشفى.
حتى كتابة تلك السطور ما زالت في المستشفى مع طفلها الرضيع، وحين تحدثت معها وجدتها راضية بقدر الله، مبتسمة ابتسامة الرضا، واثقة في كرم الله عز وجل ورحمته، إنها حقًّا امرأة ذهبية.
أيها السادة... سوف أظل أنادي وأدعو إعلامنا (غير المحترف) أن عليه أن يبرز مثل تلك النماذج الكثيرة جدًّا حولنا، عليه أن يسلط الضوء على تلك النماذج حتى يعرف شبابنا وأبناؤنا معنى العطاء والتضحية والنبل والوفاء والإيثار. على الإعلام أن يتخلى عن إظهار النماذج الحقيرة التي يعرضها لنا ليل نهار، ويشغلنا طوال الوقت بالفنانة فلانة التي تزوجت.
والفنانة فلانة التي طُلقت، ويأتي لنا بمن تدعو إلى مشاهدة الأفلام الإباحية! هكذا على الهواء مباشرةً، ويأتي لنا بمذيعة تخرج علينا بمكياج ربما كانت تكلفته راتب موظف طوال الشهر ثم تحدثنا عن التقشف وأننا كلنا (لازم نيجي على نفسنا شويه!) فهل سيستجيب إعلامنا لهذا؟
أيها السادة... رسالتي الثانية للأزواج... يا كل الأزواج اعلموا أن زوجاتكم يضحين من أجل بيوتهن وأبنائهن، بل ومن أجلك أنت شخصيًّا أيها الزوج، فلا يليق بكم أن تقابلوا العطاء بالإهمال، وأن تقابلوا الوفاء بالخيانة، وأن تقابلوا الرقي بالحقارة، فكم من قصص سمعناها عن ضرب الأزواج لزوجاتهم وخيانتهم وإهمالهم وبخلهم، بل يوجد من يجلس في البيت وزوجته تصرف عليه!
أيها الأزواج حافظوا على تلك النعم التي بين أيديكم واشكروا الله عليها، وأحسنوا إليهن وارفقوا بهن، فتلك وصية نبيكم، فيا ليت قومي يعلمون.
حفظ الله بيوتنا وزوجاتنا... حفظ الله مصر... أرضًا وشعبًا وجيشًا وأزهرًا.
بقلم: عادل عبدالستار العيلة... مدرب معتمد للعلاقات الأسرية والزوجية.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.