شعر بشيء غريب يدغدغ بأنامله الرقيقة شغاف قلبه، ويسري في عذوبة اللحن الشجي، ليرتاح على ضفاف نفسه المتعبة.
ذلك الشيء الذي يسمعه متحدثًا عندما تخرص ألسنة الخلق، ويراه منتصبًا كالنور عندما يسدل الليل ستاره على الكون.
ذلك الشجن المقدس، الذي يستولي على سرائر روحه فيحيلها إلى زفرات متقطعة بعد أن كادت تعبث بها يد القدر الغاشم، فيبعث فيها الأمل من جديد، فرَاحَ يتساءل في حيرة:
"ماذا أصابني يا تُرَى! أهو ملاك نزل من السماء فجأة ليحلق بي في سماء لا حدود لها، أم أنه مارد جبار نزل بثقله على روحي، فأيقظني من غفلتي، أم أنه شعاع من نور اخترق قلبي ونشر نسيجه الذهبي بين ثنايا أضلعي الواهنة، أم أنه شيء آخر لم يخطر ببالي يومًا، وكنت من حين لآخر أقرأ عنه في الكتب، وأسمع عنه في الأغاني، وألتمس خياله في دور السينما وركح المسارح!؟
لعله يكون "الحب"، أيعقل هذا؟ هل هو ذلك الكأس المقدس الذي تكتوي بناره شفاه المحبين؟ أم أنه ذلك السهم الذي تطلقه لحاظ العيون، فيصيب شغاف الروح وصميم القلب؟"
وبينما هو غارق في تساؤلاته، ويريد فهم ما أصابه.. فجأة لمح خيالًا على الضفة الأخرى من النهر، خيالًا كأنه ظل شفاف من ظلال، شجرة الياسمين، وقد اشتم لتوه رائحة زكية أتى بها النسيم العليل، فدغدغت مسام أنفه، فأحس بالانتعاش والمتعة.
تطلع إلى ذلك الخيال الناعم وهو يكشف عن ساقيه، ويضع إحداها في ماء النهر، ثم يردفها بالأخرى في خيلاء ودلال، وكأنه يمزج بياض ساقيه بعذوبة ماء النهر البلوري، ليتعانقا في سكينة ورقة لا حدود لها.
فأصابه نوع من الهذيان يشبه السحر، وتطلع إلى ذلك الخيال الذي يشق صدر النهر قادمًا نحوه في أنة وهدوء، وشيئًا فشيئًا بدأ يتحول ذلك الخيال الملائكي إلى فتاة في مقتبل العمر، وجهها كأنه البدر، وهي ترفل في ثياب سندسي اللون، وشفتيها تفتر عن ابتسامة حالمة، رقيقة كرقة النسيم العليل الذي يداعب شعرها الطويل الناعم، ويسري في جسدها الطري الغض، فيبعث فيه قشعريرة الحياة الأبدية.
هناك في تلك اللحظة الفارقة من لحظات الزمن، توجه نحوها بكل شوق، تدفعه رغبته الجامحة لمعانقة جمال وروعة الوجود الإنساني الذي أودعه الله في قلب تلك الفتاة الثائرة على المألوف، والمتمردة على الأعراف السائدة، ودنا منها حتى لامست يده يدها فصافحها بحرارة، فبعثت فيه جذوة الحياة، ومسحت عن قلبه غبار السنوات، ولملمت شتات نفسه التواقة لركوب المخاطر والنزوات، ونفضت عن روحه آثار الأزمات.
في ذلك المكان، هنالك في قلب النهر تعانقت الأرواح، وشربت من كأس الحب المقدس حتى الثمالة، واحترقت الشفاه بنار العشق الأبدي، واحتواهم جسد واحد، وانصهرت روحيهما في روح واحدة، وسمع منه هتافًا دوى صداه في ثنايا الكون وكأنه يخرج من فوهة بركان قائلًا:
- "فليشهد الكون أني أعشقك أيتها الحرية ".
نعم، فما تلك الفتاة الغضة الندية، ذات الشعر الطويل، الناعم المتمرد، والشفاه الملتهبة بنار الوجود الأزلي، ليست إلا "الحرية" بطعمها الحلو المشبوب واللاذع التي تعشق كل مغامر يبحث عن رسم طريق لذاته المغتربة في عالم تمزقه الأحقاد، وتستنزف طاقته الأفكار المعيقة التي عششت فيها عناكب الجهل والتفاهة والابتذال.
هى الحرية لآ غير نبحث
عنها بين ثنايا الطبيعة
والمرأة ماهى إللى رمز
للبحث عن جمال الكون
دمت مبدع استاذى الفاضل
مر على قصتى الأمل
سامر حتما ، عزيزتي
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.