إن من الأمور التي يسعى إليها الإنسان السَّوي والذي يراعي ربه في سرِّه وعلنه، هي أن يحافظ على ما آتاه الله من نعم خفية كانت أو ظاهرة، وأن لا يحاول أن يُغَيِر فطرته التي فطره الله عليها والتي تحمل معانٍ جمة من إنسانيته وآدميته والتي هي عماد روحه وعقله.
إن كل محاولة من الفرد أو حتى سعيه إلى قلب موازين خلقها الله تعالى بداخله، سيقوده حتمًا إلى الضياع كالرُبَان الذي فقد اتجاهه وهو في خضم رحلته البحرية؛ لأنه ببساطة فقد البوصلة فتراه يجيء يمنة ويُسْرى ولا يستقر على وجهته من أجل العودة إلى الشاطئ.
وهو مثال حي لا يدعو للمراوغة لذلك الإنسان الذي أُبْتُلي والعياذ بالله بالتيه الذي أصاب قلبه وروحه التي هي أساس الفرد قبل جسده، هذا الأخير الذي مهما أصيب برضوض فهو قابل للترميم لا محالة، أما أن تُصَاب روحه ولو بخدش فإنه لا يصبح من المحسودين على الإطلاق، بل ندعو له بالعافية وكان الله في عونه.
إن هذه المقدمة المتواضعة تقودنا حتمًا إلى كمية الأقنعة التي يرتديها الفرد الضعيف لكي يستطيع أن يُكْمِل مسيرته الحياتية، والتي هي من البساطة بما كان لو يدرك كُنْهَها، وهي النية الحسنة وقليل من التواضع والكثير الكثير من القرب لله تعالى، فيغدو الإنسان سليمًا روحيًا وجسديًا.
أما أن يتمسك بالقناع الذي يرتديه ولا يسعى أبدًا إلى نزعه فهي الطامة الكبرى، فتراه كالحيران الذي لا يهتدي لطريقه؛ لأن الأقنعة التي طالما ولا يزال يرتديها جعلته في النهاية دون وجه.
حقيقة هو موضوع خطير وعلى المؤمن أن يتفطن إلى العوامل الخارجية التي من الممكن أن تسحبه إلى الأسفل والتي تكون سببًا إلى تبني أقنعة شتى وذلك بغرض ارتدائها عند اللزوم، التي أراها من الأمور التي تهوي به إلى قاع الجُبْنْ وكل الصفات المنبوذة.
وبالرغم من ذلك فإن مسؤولية الفرد لا يجب تحييدها لأن خالقه فطره على الخير ووهبه وجهًا واحدًا وكل ما هو جميل، لكنه اختار أن لا يكون على سجيته بل استهواه التلون كتلك الحرباء التي تأخذ لون المكان الذي تقف فيه.
وتبقى إرادة الفرد هي الفيصل لأنه من غير المعقول أن يُجْبَرَ أحدهم على فعل ما يسيء إلى فطرته، فهو يملك كامل الإرادة لنفض غُبَار الذل والمهانة عن نفسه، أو أن يُبْقِي على روح ذليلة ومنصاعة لأهوائه التي تبقى دائمًا متعطشة ولن يرويها أي منبع تقصده، إلا إذا كان منبعًا صافياً ومُصَفَى وهو منبع المولى عز وجل يرتوي منه فَيَضْحَى وكأنه لم يظمأ أبدًا.
إضافة إلى أنه يصبح منبوذًا من طرف أقرانه ويفقد الكثير الكثير من هيبته حتى يصبح مُحْتَقِرًا لنفسه ويصبح التأنيب الذاتي هو سيد الموقف، والإسلام السمح قد صنف هذه الفئة من الناس في خانة المنافقين والعياذ باللَّه.
إن هذه الأمور التي نصادفها يوميًا في حياتنا لهي جرس إنذار لكل مُبْتَعِدٍ عن فطرته، أو حتى لمن تراوده نفسه عن ذلك، والفرد ذو الوجهين أو أكثر تراه يبذل ذلك المجهود الكبير الذي يعتقد أنه سيوصله لمراده، لكنه ليس بحاجة أبدًا لذلك التملق والتزلف لكي يكون من المقربين، بل بالعكس فهو يرسم لنفسه طريق المهانة والذل يمشيه مادامت نفسه تعيش الضياع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.