في أواخر أيام الدولة العثمانية، كان عدد المدارس محدودًا جدًّا، ومن ثم كان عدد المتعلمين في كل حي من أحياء المدن العربية الكبرى لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، أو نحو ذلك.
أما في الأرياف والقرى الصغيرة النائية، فكان التعليم معدومًا. فعُرِفت الكتاتيب وعرف التعليم في المساجد.
وكان التعليم إما شفويًّا دون كتابة أو قراءة وهو على الأغلب تحفيظ القرآن الكريم، وإما كتابة وقراءة بدائية بسيطة مع شيء من الحساب.
ومن ثم انتشرت الخرافات، من هذه الخرافات أن الاحتفاظ بالصور والأوراق الملونة في البيوت قد يؤدي إلى اجتذاب الجن والشياطين إلى تلك البيوت وإصابة أهلها بالضرر.
مع بداية الحرب العالمية الأولى بين دولتي المحور ألمانيا والدولة العثمانية من جهة، ودول الحلفاء وهي فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية ثم انضمت إليهم فيما بعد الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، واستعدادًا لهذه الحرب، بنت ألمانيا شبكة من خطوط السكك الحديدية في الدولة العثمانية.
وبما أن بلاد الشام كانت جزءًا من أراضي هذه الدولة، وتمتد أراضيها إلى البحر الأحمر، كان لا بد من أن يكون لها نصيب من هذا المشروع لربط سوريا وبلاد الشام عمومًا بإسطنبول العاصمة آنذاك
كانت مدينة دمشق، العاصمة السورية الحالية، مركزًا لولاية (شام شريف)، وكان العثمانيون يحتفظون بميزانية هذه الولاية في دمشق. ولما اشتد القتال، وكانت الحرب تميل إلى صالح الحلفاء، ومن باب الاحتياط، قررت الحكومة العثمانية نقل الأموال الذهبية والورقية الموجودة في خزينة ولاية شام شريف إلى المركز (إسطنبول).
وكانت النية تتجه إلى نقلها برًّا بواسطة القطار إلى بيروت على البحر المتوسط، ومن هناك إلى إسطنبول بحرًا بسفينة حربية.
في أثناء مسير القطار من دمشق منطلقًا إلى الغرب في اتجاه بيروت، وعلى بعد بضعة كيلومترات من دمشق وعند مشارف قرية دُمَّر، كان يوجد جسر على نهر بردى ومنعطف.
في هذه المنطقة عينًا، انطلقت مدفعية الإنجليز من جبال المزَّة في اتجاه القطار الذي يحمل خزينة الولاية، فأصابته وتعطل.
وقبل حضور جنود الإنجليز إلى الموقع، نزل من القطار عدد من الضباط العرب والأتراك وحملوا معهم أربعة صناديق كل منها بحجم التابوت ودخلوا أحد البيوت القريبة والمنيعة.
كما أن قسمًا من أهالي قرية دمر انطلق إلى القطار لعله محمَّل بالذهب وأشياء يمكن الاستفادة منها، فوجدوا عربة من عربات القطار مقفلة، فكسروا الأقفال، ولما فتحوها وجودها مملوءة بالصناديق والأكياس المربوطة والمشمَّعة، فحملوها وانطلقوا عائدين إلى بيوتهم وهم يرتجفون من البرد القارس في الشتاء، ولما فتحوها وجدوا بها أوراقًا ملونة بحجم الكف، أصغر أو أكبر قليلًا.
قالوا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم! وماذا يفعل الأتراك بهذه الأوراق؟
بالتأكيد سيعلقونها في بيوت أعدائهم. وأشعلوا المدافئ وأخذوا يحرقون الأوراق رزمة وراء الأخرى ليحصلوا على شيء من الدفء.
أما صاحب البيت الذي استضاف الضباط، فكان موظفًا ذا مركز في ديوان الولاية، وكان على علم بأنهم ينقلون خزينة الولاية في ذلك القطار.
وعندما فرغ الضباط من نقل الصناديق ووضعها في البيت حتى الصباح ريثما يُصلَح القطار أو يعيدونها إلى دمشق.
تناولوا طعام العشاء وما لبثوا أن غطُّوا في نوم عميق حتى أرسل المضيف صاحب البيت ابنه إلى موقع به جنود إنجليز وأخبرهم أن مجموعة ضباط عثمانيين يبيتون عنده وأنهم سيغادرون في الصباح، فحاصر الإنجليز المكان وأخذوا الضباط أسرى، وبقيت الصناديق بحوزة صاحب البيت!
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.