إن الفقر حكمة وقدره حكم على الناس والمجتمعات والأمم والدول والشعوب، وأكثر البشر يعيشون تحت خط الفقر المدقع، فعيانون الويلات والنكبات والمصائب والهموم والغموم، فالفقر قد أطبق قبضته وحلَّق بهم من كل حدب وصوب واستحكم عليهم، فلا يجدون شيئًا لهم من المال يعاونون أنفسهم به ويقتاتون منه ويفك كربهم وينور طريقهم ويصلح شأنهم.
الفقر قد نخر قلوبهم، ومزق أجسادهم، ونزلت بهم الأمراض والأسقام والآلام، فلا يجدون مالًا ولا فلوسًا يشترون بها العلاج ليخفف من تعبهم وألمهم.
الفقير حياته متعبة ومنهكة ومشتتة وغير مستقرة، لا يقدر على أن يبني نفسه، ولا أن يحقق طموحه، ولا أن يصلح وضعه وحاله وتفكيره، عقله مشتت ومرتبك ومضطرب، لديه العزيمة والهمة والمعرفة، ولكنه غير قادر على التنفيذ.
لديه طموح كأمثال الجبال الشامخة الصلبة، لكن لا يقدر على تحقيق ما يطمح له ويفكر به وما يريد أن يصل إليه، فيموت ومخترعاته وطموحاته في قلبه.
الفقير لا يجد قوتًا وطعامًا يأكله ويملأ بطنه إلا فتاتًا من الطعام وكسر من الخبز، الفقير لا يجد بيتًا يسكنه ولا دارًا يأوي إليه يُغطيه من حر الشمس ولحفها وشدة البرد القارس ونزول المطر.
الفقير لا يجد ثوبًا وقميصًا يلبسه ويستر نفسه ويغطي جسده، بل يزينه بين الناس إلا ثوبًا قد تمزق وبلي من شدة من طول ما لبس.
الفقير لا يستطيع أن يعف نفسه بزوج يشاركه الحياة ويقاسمه الهموم، بل يبقى بلا زواج مدة من الزمن وحينًا من الدهر في قلبه أناة وأناة.
إن الفقير إذا سافر لا أحد يسأل عنه، وإن مرض لا يأتي أحد له بالدواء، وإن خرج لا يفتقد، وإن تكلم لا يسمع لحديثه، وإن جلس بين الناس إلا يؤبه له ولا يهتم لشأنه، فالعيون إليه تغض الطرف، والناس تعرض عنه.
الفقير يموت كمدًا وحزنًا؛ مما يلقى من تصرف الناس نحوه وبعدهم من مجالسته، فترى العجب العجاب من أحوالهم وشأنهم، رأيت الناس قد مالوا إلى من عنده المال، ومن لا عنده المال رأيت الناس عنه قد مالوا، فيملون إلى من عنده المال، ويجلسون حوله ويسألون عنه، فالفقر لو كان رجلا لقتله.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.