الغفوة العميقة في الليل التي يتلوها الغطيط، الذي قد يشوبه بعد الضنى الصوت الخليط، الذي تَقْفوه تراتيلُ التعب، التي تتولد من الإعياء والنصَب. وحين تنتبه المُقلتان من وطأة الفأر، فإن الشخير يعلو من الغضب. وقد يتململ الغافي على الفراش، فلا يدري سبيلا إلى الوصَب.
والفأر يهرول في المطبخ ويبحث عن العنب، ويجتمع فلا يخاف اشتعال اللهب، وإذا جرَّ الفتنة بطول الذنَب، ينتهي به الأمر إلى العطَب أو التَئَب. وحينما يدعو الفأر إلى الاجتماع، فلا بدَّ للأمتعة والأطعمة من الضياع، فلو وضع الإنسان الفخَّ، فإن الفأر يتسلل إلى نواحي اللحم فيأكله حتى المُخَّ، فمن احتقر الفأرَ، فإنه لن يأخذ الثأرَ.
والفأر عدو البيت، وصديق الزيت، فما دخل بيتاً إلا وترك فيه فساداً، وما مرَّ على شيء إلا وأتلفه نفادا.
فليخشَ الإنسان من كوابيس الليل؛ حتى لا يضطروهم إلى الويل. أو يجروا عليهم وبالا بالذيل.
وقد يستيقظ الإنسان في الغسق، فيدنو من طعامه المُعَدِّ قبل الفلق، فلا يجد إلا آثار الفئران، فلا يستغيث بالجيران، فمن عانى من هجومها، فليفكر في سمومها؛ إذ هي تتدرب على السرقة، حين تأتي في الحلقة، فمن ظنها غير ماهرة، فإنها لم تكن سوى باهرة، فمهما غطَّى الإنسان الأواني فتحتْها، ومهما أخفى شيئاً أظهرتْها.
فالناجي من تهديداتها، فهو الناظر في تبديداتها. ومن طريقة التخلص منها وضع الماء في الإناء، الذي لو دخلتْه خطأً أفضى إلى الفَناء. وسرقتُها مدرسة اللصوص، فكم شاع استيلاؤها على الصوص.
وحين تدخل الفئران بيتاً بالحِيلة، فإن لا تكون أبداً كالهزيلة، وحين تأكل ما لذَّ وطابَ، فإن الإنسان يقضي العجب العجابَ، فمن لم يرمَّ الصدع، فإنه سيكون للفئران منافذ فلا تستطيع الذهابَ، وحينما تغزو الفئران دارا، فلا يستطيع أهلها حصارا.
والفأرُ السمين، قد يُمضي أياماً أو أعواماً، فإذا اختال في الدار فلا يحترم نظاماً، فيأتي هذا ويأكلُه، ويأتي ذاك فيركلُه، فالرجل الداهية يتربص له بالمرصاد، فإذا قبض عليه فيقتله في الجهاد.
والقط الذي يُدْعَى لشدّ الوثاق عليه، لا يكون في تمام الاستعداد، إما يغْفُل عنه فلا يُكشِّر عن الأنياب ولا يُنْشِبُ الأظفار حين يكون بعيداً عن القوَد والاقتياد.
فماذا يقال عن القط الذي يستضيف الفأر، فيأكلان معاً في الحفرة والبِئر؟ فماذا يقال عن الفأر الذي يخلف السؤْر، فيأتي القط فيأكله خلفَ السور؟ وحين يشبع القط فيكون الفأر صديقه، فينام كثيراً ويسلك طريقه. فهل ينتقم الإنسان من القط، بعد ما انتهى به الأمر إلى الفرط؟
وهل للقط براءة من هذه الجناية، وهل للفأر تأمين حتى استحق كل هذه العناية؟ وقد قيل: القط والفأر صديقان، ما داما يأكلان معاً.
اقرأ أيضاً
- لماذا هناك الكثير من الوقت الإضافي في مونديال قطر 2022؟
- الفيلم الوثائقي "فلسطين 1920".. ملخصه وبعض أحداثه
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.