يبدو أن أحدهم لم يكن في حالة تسمح له بأداء مهامه، فتراكمت عليه، ولم يُنجز منها المطلوب، قد يكون ذلك لأسباب خارجة عن العمل، في حياته أو غيرها، لكن تراكمت عليه المهام، أو تضاعفت، وأصبح مضغوطًا.
وعند محاسبته عن عدم تأدية المهام في عمله، رد قائلًا: هذه المهام كثيرة والوقت قليل، لا أستطيع العمل تحت الضغط.
وكان هناك صديقه المنافس له، الذي ينتظر منه خطأً ليتفوق عليه، ويتميز عنه في العمل.. فرد قائلًا: أنا أستطيع العمل تحت الضغط!
التفت صاحب العمل لينظر من قال تلك الجملة الجديدة «العمل تحت الضغط».
وأثنى عليه وأعطاه تلك المهام المضاعفة فوق عمله، واستطاع فعليًّا أن يعمل تحت الضغط، وينجز مهام مضاعفة، وأصبح هذا المنافس مميزًا عن ذاك الذي قال: لا أستطيع العمل تحت الضغط.
وأصبحت كلمة العمل تحت الضغط، مِيزة مُميزة تُميز المُميز عن المتميز.
انطلقت الكلمة بين أركان المكان في العمل، ليصبح المتميز هو الذي يعمل تحت الضغط.
وخرجت الكلمة إلى كل أماكن العمل الأخرى، وأراد العاملون جميعًا أن يتميزوا بها، وادعاها البعض لأنفسهم. والآخرون أرادوا أن يتعلموها، وأصبحت ميزة مهمة جدًّا لكل عمل، حتى لو لم يكن في هذا العمل أي ضغط.
إنها ميزة قوية للعامل عند صاحب العمل وليس للعمل، أن تضع العامل في حالة ضغط ليُنجِز مهام فوق مهامه، وفي وقت مُحدد، أو أن يتحمل قسوة ظروف العمل؛ لأنه يعمل تحت الضغط، هذا أفضل لصاحب العمل، من أن يدفع له أجرًا مضاعفًا، أو أن يأتي بعامل آخر.
قرر أصحاب العمل أن يكون الموظف أو العامل يعمل تحت الضغط، وهذا شرط، وأصبح كل عمل زائد على مهام العامل اسمه: ضغط عمل! ومن يقبل يكون مميزًا بالعمل تحت الضغط، ومن لا يقبل يكون «مش بتاع شغل».
تلك الميزة أصبحت شرط القبول في أي عمل من صاحب العمل، وأصبح صاحب العمل يضغط أو يطغى على العامل، ليوفر ويقتصد، وأصبح العامل يعمل تحت الضغط ليتميز، أو حتى ليجد عملًا، أو لكيلا يخسره.
إذا عُدنا لبداية القصة، سنجد أن الرجل الذي رفض الضغط في العمل، وقال لا أعمل تحت الضغط كان حقيقيًّا وصريحًا وليس ضعيفًا ولا (مش بتاع شغل).
ولو كان ذاك المنافس الذئب التزم الصمت ولم يقل: أنا أعمل تحت الضغط، لكان صاحب العمل اتخذ قرارًا صحيحًا، قرارًا إنسانيًّا، ولصالح العامل والعمل، بِأفكار إدارية مختلفة، تقليدية، أو إبداعية. لكن الكلمة حقًّا مُغرية ومُتميزة، إنها توفر كثيرًا من الوقت والعمالة والمال، لكنها انتهازية من صاحب العمل، واستغلالية بين المُتنافسين على العمل.
كان من الأفضل أن يُثير الحماسة بين العاملين بإنسانية. الأمر بسيط جدًّا، إننا أنفس وعقول وأرواح، نحب التطور والتميز والنجاح.
كان يجب عليه أن يستبدل الكلمات المحبطة إلى حماسية، كتحدٍ بدلًا من صراع، وإقدام بدلًا من اندفاع، ونمو بدلًا من تهور، وتسارع بدل تصارع، والإخفاق بالتحقيق، مقارنة الإنجاز بدلًا من مقارنة الإخفاق، تحفيز بدلًا من تعجيز.
تغيير ترتيب كلمات الجملة تلك، بدلًا من أن تكون: (العمل تحت الضغط) تصبح (الضغط تحت العمل) يُظهر معنىً مُختلفًا، ويخلق روحًا متحمسة، ونفسًا تأمل، وعقلًا يبدع، وعاملًا يشعر بأن لا عمل يضغط عليه، وأنه هو القوة التي تضغط على العمل وتسيره.
من يستطيع الضغط على العمل، أقوى مِمَّن يستطيع العمل تحت الضغط.
ما يجعل من العمل ضغطًا هو اعتبار العمل شديد الأهمية وذا خطورة عالية، إنه ببساطة، الضغط على العقل، ليعمل بأكثر من قدرته القصوى، وعدم تقبل الفشل، وعلى النفس بالخوف من الخسائر، فَيَنتُج التوتر، ويصبح الضغط هنا ليس في العمل، ولكن في الجسد، وهذا يجعل العامل يريد التخلص من المهمة، بدلًا من إنجازها.
العمل تحت الضغط، إن كان فهو مؤقت، لكن الضغط على العمل، هو المُستَمِر المُثمِر.
سبتمبر 28, 2023, 6:15 م
👍
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.