خاطرة «العري الحقيقي».. خواطر اجتماعية

العري ليس مجرد لبس مكشوف أو قصير، ولا هو أمر يقتصر على النساء كما يحاول المجتمع أن يروج له. العري حالة معقدة نعيشها كل يوم بأنماط وصور متعددة، قد لا نكون قادرين على رؤيتها إلا عندما نتوقف لنتأمل.

كل يوم يوجد نوع من العري، لكن ليس في الجسد فقط، يوجد عري في الفكر وفي الأخلاق وفي الروح. في مجتمعنا دائمًا ما نتهم جسد المرأة بكل شيء كأنها هي المصدر الوحيد للشرور. ولكن هل العري يقتصر على ما نرتديه؟ وهل الرجل معفي من هذا الحساب؟ أم أن المرأة هي الهدف السهل للاتهام؟!

العري ليس مجرد عري جسدي، العري الفكري أخطر، فهو عندما يتحدث الشخص عن شيء لا يفهمه، وعندما يعبر بصوت عالٍ عن جهل مطلق، لا شيء يمكن أن يغطي هذا النوع من العري، لا ورقة توت ولا أي مظهر. الجهل هو العري الذي لا يمكن إخفاؤه، ومهما حاولنا التغطية عليه سيظل عاريًا في كل كلمة غير مفهومة.

أما العري الأخلاقي فهو أخطر الأنواع؛ الخيانة والكذب والغش كلها أشكال من العري التي تكشف عن حقيقة الإنسان الداخلية بدلًا من أن تكشف جسده. هذا النوع من العري لا يمكن تغطيته بأي شيء، هو عري يفضح الإنسان من الداخل، ويكشف معدنه الحقيقي.

ثم يأتي العري العاطفي، وهو نوع لا يقل فداحة، عندما تتجمد القلوب وتبقى المشاعر مجرد قشرة خارجية. فهذا هو العري الذي يعري الإنسان أمام نفسه قبل أي شخص آخر، عندما يتظاهر الإنسان بالمشاعر في حين هو فارغ من الداخل، فذلك هو العري الذي يقتل الأمل ويغرق في فراغ قاتل.

والعري الاجتماعي يظهر عندما تصبح العلاقات سطحية، أو عندما تفتقر إلى القيم، عندما تصبح المصالح هي الحَكَم، وحينما يتعامل الناس مع بعضهم بلا مراعاة لأي ذوق أو احترام، فهذا عري يفضح انهيار المجتمع من داخله، وهو العري الذي يوضح كيف أن المجتمع أصبح هشًّا غير قادر على التفاعل بنزاهة وحب.

والعري الثقافي هو الأخطر على الإطلاق. عندما ينسى الإنسان من هو، ويبدأ في تقليد الآخرين لدرجة أن هويته تضيع تمامًا يصبح عاريًا من ذاته. إنه عري يشير إلى غربة نفسية ووجودية، حيث يصبح الفرد مجرد نسخة مشوهة عن ثقافة أخرى، ناسيًا أو متجاهلًا جذوره وهويته.

وأخيرًا العري الروحي وهو الأكثر قسوة. عندما يعيش الشخص دون أي عمق أو إيمان أو نور داخلي فهذا هو العري الذي لا يمكن تحمله، هو العري الذي لا يمكن أن يكون له أي ستر. يعيش الناس في هذا النوع من العري وكأنهم جسد بلا روح، وكأنهم لا يشعرون بحقيقة وجودهم.

في النهاية العري الحقيقي ليس في اللبس، بل في الفكر والأخلاق والروح. اللبس هو مجرد غطاء، مجرد شماعة نعلق عليها كل مشكلاتنا الحقيقية. إن المجتمع نفسه هو العريان؛ لأنه يهرب من مواجهة ضعفه، من سطحية تفكيره، ومن خوفه من مواجهة ذاته. والمرأة ليست هي السبب في كل ما يحدث، بل هي المرايا التي تكشف عن عيوب المجتمع بأسره.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة