خاطرة "الصغار" ج3.. خواطر وجدانية

خرج شريف الحداد محتدًّا وركب سيارته الفارهة، ثم بدأت ألوم نفسي على أنني أوصدت بابًا لصديق ما زال له في قلبي مساحة ضوء.

وبدأتُ أدوِّن بقية المذكرات لعل في كتابتها بعض العزاء.

أمسكتُ بالقلم العريض وكتبت على الواجهة (الصغار)،ورتبتها بأسمائهم:

١- شريف الحداد.

٢- عاشور أو العسس.

والبقية تأتي، لن أحاكم أحدًا فقط محاولة لأزيل أثقالاً وهمومًا غمرت الذاكرة.

(عاشور)

يد خفية وعامل يجمع الأوراق والتوقيعات، ييسر تناقل المعاملات والمعلومات. يلوكها كما يلوك العلكة ذهابًا وإيابًا، ويطري عليه أناس لا يعلمون أن كلامهم اختزن سرًّا.

لا تستطيع أن تنأى عنه فهو المجامل والمداهن للجميع، والموجود دائمًا في قلب الدائرة ويصنع الخير للمال، ولا يخسر أحدًا.

اجتماع يا أساتذة، تنبيهات، مجاملات، وإفطار جماعي يجمعنا به عاشور بعجلته التي تلف منطقة القلعة كلها في دقائق معدودة.

(السلام أمانة يا أستاذ ) كلما رأى أحدًا سلم على الآخر الذي لم يره بحرارة وكأنه افتقده منذ عام.

كيف تعلم أبواب الحكمة المستعارة والوجد المزيف وهو بالكاد يكتب اسمه، ولم يحظ من التعليم إلا بهذا القدر المتواضع .

عاشور أو العسس كما يلقبه الموظفون فيما بينهم.

هذا النمط من البشر الذين يستطيعون أن ينتصروا دائمًا من خلال الدخول من الأبواب الخلفية.

هذا الجمع أصبح مخيفًا ولا ندري الصادق فيه من الكذوب.

أنا شخص كبرت بعض عمري في بلد غريب فكنت أتحدث بلهجة لم يألفها أقراني، وتعلمت ثقافة الغرباء وأنا بعد صغير، وعندما بدأت أتواصل معهم بلهجتهم سافرت إلى بلد آخر.

ودائمًا أنا المختلف.

حبي للتحدُّث بالعربية كان فرارًا من مأزق اللهجات وليس مدعاة للفصاحة والتحذلق كما ظن الآخرون.

فبحكم سفر عائلتي حياتهم المتنقلة كبحر مضطرب أدركت الجميع ولم أعرف أحدًا... وفي سفري اقتحمتني روح بابل، وعشقت أبواب الشام السبعة، اخترقتني أضواء القلعة، وأسرني حي الحسين.

أنا العاشق الغريب والممتلئ حبًّا، مت وجدا ولم يدرك ما اختبرته أحد.

 كنت أنظر لعاشور وأغبطه سرًّا كيف استطاع أن يتمثل حب الجميع وينقل لهم ضوءًا مزيفاً.

جاءني عاشور وهو يجمع بعض المجاملات، وذكر اسم شريف الحداد ثم ابتعد.

ناديت عليه: لماذا انصرفت يا عاشور؟ 

- نظر إليَّ متعجبًا: أخذ مكانك وأفسد ترقيتك وتجامله!

- اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، ليس هذا وقت اللوم، يكفي أنه مريض.

- هل أسألك سؤالاً يا أستاذ ؟

- تفضل يا عاشور.

-كيف تستطيع أن تكون حقيقيًّا لهذا الحد؟!

فقلت له: (يوم ينفع الصادقين صدقهم)

رد وقد بدا عليه حزن طارئ وأوغل في نفسه: إن صدقوا يا أستاذ.. إن صدقوا.

وانصرف باكيًا.

سألني زميلي: ماذا قلت له؟ لماذا انصرف باكيًا؟

- لا شيء يا سليم، لا شيء.. ربما شعر أنه مزيف.

نحن من تحملنا الكلمات وتضيق بنا الدنيا. وتقبض عنا عمداً أياد فيحمل الله قلوبنا على أجنحة الملائكة .

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
ديسمبر 9, 2023, 1:03 م - عايدة عمار فرحات
ديسمبر 9, 2023, 12:59 م - صفاء السماء
ديسمبر 9, 2023, 12:27 م - سلمى العمري محمد
ديسمبر 9, 2023, 11:08 ص - بورغاية رابح
ديسمبر 9, 2023, 10:46 ص - سلمى العمري محمد
ديسمبر 9, 2023, 9:14 ص - ليلى أحمد حسن مقبول
ديسمبر 9, 2023, 9:02 ص - آية محمد صادق
ديسمبر 8, 2023, 11:38 ص - نور الدين شعبو
ديسمبر 7, 2023, 11:33 ص - حبيبه شريف
ديسمبر 7, 2023, 9:03 ص - رايا بهاء الدين البيك
ديسمبر 6, 2023, 7:11 ص - لجين منير شاكر
ديسمبر 6, 2023, 5:39 ص - شيماء دربالي
ديسمبر 4, 2023, 12:50 م - عبدالله مصطفى المساوى
ديسمبر 4, 2023, 9:30 ص - ليلى أحمد حسن مقبول
ديسمبر 4, 2023, 7:21 ص - عبدالله مصطفى المساوى
ديسمبر 2, 2023, 3:30 م - قدوه نمر الشعار
ديسمبر 2, 2023, 8:20 ص - سندس إبراهيم أحمد
ديسمبر 2, 2023, 7:52 ص - نور الدين شعبو
نوفمبر 30, 2023, 11:37 ص - سمسم مختار ليشع سعد
نوفمبر 29, 2023, 2:41 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 29, 2023, 8:24 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 28, 2023, 7:06 ص - أسماء مداني
نوفمبر 27, 2023, 2:42 م - براءة عمر
نوفمبر 27, 2023, 1:17 م - عزوز فوزية
نوفمبر 27, 2023, 11:52 ص - سيرين غازي بدير
نوفمبر 27, 2023, 6:34 ص - بشرى حسن الاحمد
نوفمبر 26, 2023, 2:58 م - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 2:24 م - إبراهيم محمد عبد الجليل
نوفمبر 26, 2023, 10:15 ص - ايه احمد عبدالله
نوفمبر 26, 2023, 9:51 ص - ليلى أحمد حسن مقبول
نوفمبر 26, 2023, 9:27 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 8:03 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:52 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:35 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:01 ص - محمد بخات
نوفمبر 26, 2023, 6:32 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 23, 2023, 12:46 م - رانيا بسام ابوكويك
نوفمبر 23, 2023, 10:41 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 23, 2023, 8:28 ص - احمد عزت عبد الحميد محيى الدين
نوفمبر 23, 2023, 7:26 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 22, 2023, 2:20 م - محمد سمير سيد علي
نوفمبر 22, 2023, 2:00 م - عبدالخالق كلاليب
نوفمبر 22, 2023, 6:45 ص - محمد بخات
نوفمبر 21, 2023, 8:51 ص - مدبولي ماهر مدبولي
نوفمبر 20, 2023, 7:41 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 19, 2023, 1:27 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 19, 2023, 1:07 م - محمد بخات
نوفمبر 19, 2023, 12:07 م - أسرار الدحان
نوفمبر 19, 2023, 11:06 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 19, 2023, 10:03 ص - فاطمة محمد على
نوفمبر 19, 2023, 7:49 ص - شاكر علي احمد عبدالجبار
نوفمبر 18, 2023, 11:36 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 18, 2023, 10:56 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 18, 2023, 8:09 ص - شيماء عبد الشافي عبد الحميد
نوفمبر 17, 2023, 6:13 ص - يغمور امازيغ
نوفمبر 16, 2023, 8:30 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 15, 2023, 6:01 م - كامش الهام
نوفمبر 15, 2023, 2:57 م - فاطمة حكمت حسن
نوفمبر 15, 2023, 12:21 م - ساره محمود
نبذة عن الكاتب

نحن من تحملنا الكلمات وتضيق بنا الدنيا. وتقبض عنا عمداً أياد فيحمل الله قلوبنا على أجنحة الملائكة .