خاطرة "الصغار"ج2.. خواطر وجدانية

جلست على طاولة في مقهى الأدباء، وفي الحقيقة كان المقهى للهواة والكتاب الصعاليك، ولكنه كان يُزيِّنُ جدرانه بصور العظماء..

أحضرت قهوتي، وما أن أمسكت بالقهوة حتى وقع نظري على إحدى الصور المعلقة، ورأيت صورته مع أحد المسؤولين وسط صور أخرى بارزة على الحائط، وقد أحاط بها إطار عريض.

شعر النادل باهتمامي بالصورة فأخذ يعرف الأشخاص وكأنه مرشد سياحي، اصطنعت الإنصات له كتقدير لمحاولته إضفاء الواقعية على حديثه، ولكن للأسف، كل ما قاله كان خطأ، ولم أعلق فلا ينقصني الجدل، كما أني لا أريد أن أسبب له حرجًا.

-لنفسي لا أحتاج للتعريف به، يكفي أنه كان صديقي الحميم.

كان شريف الحداد يرافق الكبار، كان بمثابة بعثة دبلوماسية وحده.

أحيانًا كنت أتعجب من ثباته عندما تتواتر الأحداث، عندما تختلط الحقائق بالادعاءات، فلا هو بالرجل الذي يتقن المغادرة ، وليس بالشخص الذي يعلن الاستسلام.

أما أنا فالقلم الذي يتوارى ويحتجب إذا استشعر زيفًا. فالكلمات إن أنا كتبتها واستشعرت بعد ذلك أنها لم تكن الحقيقة الكاملة، ولم يطمئن لها قلبي جاءت بجرحها الدامي كل مساء لتحاكمني.

لا أجيد المراوغة، وأمقت الجدال، ولا أتفاوض في قضية خاسرة، وأنا للآخرين مهما حاولت الاحتجاب والغموض كتاب مفتوح.

كنا وجهين للحقيقة، وكان أحد الأصدقاء يطلق علينا عندما يرانا معًا اجتماع الحمائم والصقور

أتذكر أنه في إحدى الأمسيات، كنتُ أجلس معه فخانني صوتي بعد بضعة أيام من البرد المتواصل، لم أستطع الحديث ولكن كان هناك حوار يدور رغمًا عني.

قال لي: هل ستأتي معي لمقابلة الوفد الدبلوماسي؟ وقبل أن أوضح له بصوت خافت أو إشارة كان يقول لي: بل ستذهب.

فقلت لنفسي: لقد عرف ما كنت أنويه!

فقال: نعم ، عرفت.

نظرت إليه وقد ازدادت دهشتي متسائلًا في صمت

كيف عرف ما لم أفصح عنه بصوت ولا إشارة.

فقال لي: لست بحاجة إلى صوتك، وجهك كتاب مفتوح، وضحك حتى استلقي على الكرسي.

تملكني الغيظ من وجهي الذي يعلن كل شيء ويفصح حتى عن أسراري.

أوشكت على المغادرة فإذا أحدهم ينادي على النادل

-فنجان قهوة آخر هنا وأشار إلى طاولتي.

نظرت فإذا هو، كأنه يعلم أنه اخترقني في حنيني إلى الماضي قبل أن يقتحم خلوتي. كاد النادل يقفز من السعادة عندما رآه، كأن قدومه إعلانًا لتأكيد صدق حديثه، ودليلًا إنه يعرفه.

أشار إلى النادل أن يضع كرسيًّا آخر بجانب الطاولة ثم قال: كنت أعلم أني سأجدك هنا.

-نظرت إليه: تجلس معي وكأن شيئًا لم يكن! سأغادر

-لا فائدة، ما زلت تتعامل معنا بأننا ما زلنا الصغار وأنت الفتى الوجيه.

-لا يا شريف، أنت تعلم أننا كنا نقتسم الخبز والقصص والضحكات معًا، لا تحاول أن تلقي عليَّ بوشاحك هذه الطريقة لم تعُد صالحة.

-لن ترحل سأمارس سلطتي عليك

-أي سلطة يا شريف؟

-سلطة الصداقة، سلطة الاهتمام، سمها ما تشاء...

-سلطة الصداقة أم سلطة الأنا؟

يصمت شريف لوهلة ثم يبادر قائلًا: أنا آسف.. ولكن ليس أنا من اختفى يا عمار وقت المواجهة ولعن الكتابة والكتاب، وآسر السلامة، وهاجر كوسيلة مراوغة لفض الاشتباك.

-المواجهة مع من يا حداد؟ معك؟!

يحاول تغيير الحديث:  لن أطلبك ثانية، إذا كنت بحاجة إلى الحديث مع صديقك القديم فاعلم أنه لم يفت الأوان بعد، وأن باب مكتبي ما زال مفتوحًا سواء بالجريدة أو المنزل.

يعطيه بطاقة مدون بها العنوان.

-تقصد القصر يا شريف، لا تخف لن أضل الطريق إلى قصرك مكانك الآن هو أبعد من أن أصل إليه.

نحن من تحملنا الكلمات وتضيق بنا الدنيا. وتقبض عنا عمداً أياد فيحمل الله قلوبنا على أجنحة الملائكة .

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

سبتمبر 9, 2023, 10:21 ص

جمييل..

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

سبتمبر 11, 2023, 10:42 ص

شكرا لمرورك الكريم غاليتي

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
ديسمبر 8, 2023, 11:38 ص - نور الدين شعبو
ديسمبر 7, 2023, 11:33 ص - حبيبه شريف
ديسمبر 7, 2023, 9:03 ص - رايا بهاء الدين البيك
ديسمبر 6, 2023, 7:11 ص - لجين منير شاكر
ديسمبر 6, 2023, 5:39 ص - شيماء دربالي
ديسمبر 4, 2023, 12:50 م - عبدالله مصطفى المساوى
ديسمبر 4, 2023, 9:30 ص - ليلى أحمد حسن مقبول
ديسمبر 4, 2023, 7:21 ص - عبدالله مصطفى المساوى
ديسمبر 2, 2023, 3:30 م - قدوه نمر الشعار
ديسمبر 2, 2023, 8:20 ص - سندس إبراهيم أحمد
ديسمبر 2, 2023, 7:52 ص - نور الدين شعبو
نوفمبر 29, 2023, 2:41 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 29, 2023, 8:24 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 28, 2023, 7:06 ص - أسماء مداني
نوفمبر 27, 2023, 2:42 م - براءة عمر
نوفمبر 27, 2023, 1:17 م - عزوز فوزية
نوفمبر 27, 2023, 6:34 ص - بشرى حسن الاحمد
نوفمبر 26, 2023, 2:24 م - إبراهيم محمد عبد الجليل
نوفمبر 26, 2023, 10:15 ص - ايه احمد عبدالله
نوفمبر 26, 2023, 9:51 ص - ليلى أحمد حسن مقبول
نوفمبر 26, 2023, 9:27 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 8:03 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:52 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:35 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:01 ص - محمد بخات
نوفمبر 26, 2023, 6:32 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 23, 2023, 12:46 م - رانيا بسام ابوكويك
نوفمبر 23, 2023, 10:41 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 23, 2023, 7:26 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 22, 2023, 2:20 م - محمد سمير سيد علي
نوفمبر 22, 2023, 2:00 م - عبدالخالق كلاليب
نوفمبر 22, 2023, 6:45 ص - محمد بخات
نوفمبر 21, 2023, 8:51 ص - مدبولي ماهر مدبولي
نوفمبر 20, 2023, 7:41 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 19, 2023, 1:27 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 19, 2023, 1:07 م - محمد بخات
نوفمبر 19, 2023, 12:07 م - أسرار الدحان
نوفمبر 19, 2023, 11:06 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 19, 2023, 10:03 ص - فاطمة محمد على
نوفمبر 19, 2023, 7:49 ص - شاكر علي احمد عبدالجبار
نوفمبر 18, 2023, 11:36 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 18, 2023, 10:56 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 18, 2023, 8:09 ص - شيماء عبد الشافي عبد الحميد
نوفمبر 17, 2023, 6:13 ص - يغمور امازيغ
نوفمبر 15, 2023, 6:01 م - كامش الهام
نوفمبر 15, 2023, 2:57 م - فاطمة حكمت حسن
نوفمبر 15, 2023, 12:21 م - ساره محمود
نوفمبر 15, 2023, 11:00 ص - يغمور امازيغ
نوفمبر 15, 2023, 9:50 ص - ميساء محمد ديب وهبة
نوفمبر 15, 2023, 8:56 ص - حسن خليل سعد الله
نوفمبر 15, 2023, 7:54 ص - عمرو عبد الحكيم عوض التهامي
نوفمبر 14, 2023, 4:39 م - رزان الفرزدق مصطفى
نوفمبر 14, 2023, 4:16 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 14, 2023, 1:22 م - شهير عادل الغاياتي
نوفمبر 14, 2023, 9:41 ص - أسماء مداني
نوفمبر 14, 2023, 6:27 ص - أسماء منصور علي
نوفمبر 14, 2023, 5:24 ص - فاطمة حكمت حسن
نوفمبر 13, 2023, 11:17 ص - فاطمة حكمت حسن
نوفمبر 13, 2023, 6:43 ص - رؤى مالك القاضي
نوفمبر 12, 2023, 2:15 م - ميساء محمد ديب وهبة
نبذة عن الكاتب

نحن من تحملنا الكلمات وتضيق بنا الدنيا. وتقبض عنا عمداً أياد فيحمل الله قلوبنا على أجنحة الملائكة .