نواجه صدمة حين نكتشف أن ما كنا نؤمن به ونتشدق به مدة طويلة خطأ، وأن ما كنا نظنه خطأً صوابًا.
قد يمارس الشخص سلوكًا أو يعتنق فكرًا مدة طويلة من عمره، قد تصل سنوات أو عقودًا، ثم يُصدم أن أفكاره وسلوكياته لم تكن سوى انجرار خلف قطيع يسير في طريق خطأ، انخرط ذلك القطيع في ثقافات ومعتقدات مغلوطة منذ عقود وربما قرون، فرضت نفسها بسبب سياسات تضليل ومصالح حقبة معينة من الزمن، وتوارثتها الأجيال دون معرفة الحكمة من هذه المعتقدات، وتعصبت لها بشدة على الرغم من أنه قد لا يكون لها أي فائدة، وليست مهمة، فضلًا على كونها معتقدات خاطئة.
لعل قصة الأم التي أرادت تعليم ابنتها طريقة قلي السمكة بأن تقطع رأس السمكة وذيلها قبل وضعها في المقلاة، في حين لم تتقبل البنت فكرة قطع الرأس والذيل دون سبب، فاعترضت بشدة؛ ما دفع الأم للتعصب للطريقة التي تعلمتها هي من والدتها دون معرفة سبب قطع الرأس والذيل، عندما حضرت الجدة حسمت الأمر أن مقلاتها كانت صغيرة لا تتسع لكامل السمكة؛ لذلك كانت تقطع الرأس والذيل. اتضح أن الأم كانت تقلد موروثًا لا فائدة منه دون معرفة الحكمة والسبب. وهذا ما يحدث لنا مقابل كثير من المعتقدات الموروثة.
اقرأ أيضًا: خاطرة «كيف تتَّخذ القرار الصحيح بوعي فعَّال؟».. خواطر عن الحياة
لذلك فتعلم الأشياء مع معرفة الحكمة منها يزيد تمسكنا بما تعلمناه، ويساعد في التمييز بين الخطأ والصواب في حال ظهرت أمامنا أشياء تعارض ما تعلمناه.
ولذلك كانت وظيفة الأنبياء تعليم الناس الكتاب والحكمة وليس الكتاب فقط. قال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة :151]
فلا يكفي أن تتعلم ما ورد في الكتاب لكي تطبق ما فيه، دون أن تتعلم الحكمة مما أمرت بتطبيقه والعمل به.
إن معرفة الحكمة وراء ما أمرنا الله به أو نهانا عنه تقوِّي إيماننا وتزيد تمسكنا به وتحفظنا من الانجرار خلف الأفكار المضللة أو التمسك بأفكار قديمة ضالة دون أن يكون لها سبب وحكمة.
إن معرفة الحكمة تساعد في قياس نسبة المهم إلى عم المهم، ونسبة الصواب والخطأ فيما تعمله وتؤمن به، وتجعل لك حجة قوية أمام من يجادلك عن خطأ ما تقوم به.
لذلك كانت الحكمة نعمة يمتن الله بها على من يشاء من عباده، وخيرًا كبيرًا لمن حظي بها {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة: 269].
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.