صحيح أني اسكافي وما المانع؟ لكني أحببت قراءة العلوم الإنسانية والاجتماعية أتراقص ما بين الجغرافيا والتاريخ والحضارة والدين وحتى علم الإحصاء، وأتابع كل العلوم الحديثة في وقتي. لذلك عكفت على دراسة بعض العلوم الأخرى - والتي ما زلت مسار ومحل جدل من الكثير مثل علوم الطاقة - الحيوية والكونية الإلهية - من كثرة ما سمعت وقرأت عنها مصادفة.
هذه العلوم الروحانية والطاقة وقوانينها صارت شغلي الشاغل في مرحلة ما، فأخذت أنقب عن أي مصادر كتبت في تلك الموضوعات بل أكثر من ذلك..
بدأت آخذ خطوات جدية وأحضر مناقشات ومجالس وجلسات، ثم لاحقت وطرفت كل الأبواب وسلكت كل الدروب وراء الدراويش والمشايخ، وفلاسفة وعلماء كتبوا في هذه العلوم سلبًا أو إيجابًا.
وكذلك كل من تحدث فيها وكتب.. كانت منهم "نورجيهان" هيباتيا القلب والروح - نعم أصبحت من مريديها.
مع الوقت تحولت إلى مغناطيسي، يجذب أية ورقة أو مناقشة، وكتاب ومقال وحتى أني أخذت أجذب الأفراد من المهتمين بتلك العلوم. وصدقت معي بالفعل مقولة: " ما تبحث عنه يبحث عنك"(1)
لم يكن الموضوع سهلاً على الرغم من انجذابي الشديد لهذه المدارس وتعاليمها القيمة إلا أن الكيف للوصول كان غائبًا وجدًا.. سأوضح لكم لاحقًا.
من المعروف عن هذه العلوم أن الكثير من الناس يعتبرونها أشباه علوم، والبعض الآخر، أسقطها من الأصل من قائمة العلوم وأدخلها في زمرة الخرافات والخزعبلات، حيث لا يمكن قياسها ولا تتبع طرق المنهج العلمي، ولا تمتلك الأدلة والبراهين المنطقية المتفق عليها من نوابغ العلماء، كما أنها لا تخضع للتجربة والدحض، وأن الأداة والمقياس الوحيد فيها هنا هو ذاتك، وقد تصل أو لا تصل وهذه الأخيرة "ألا تصل" يعتمد بدرجة ما على صفاء ذهنك وقوة قناعاتك بها.
لذلك حتى إذا اختبرتها وصدقت بعض رؤاك أحيانًا وحدسك كثيرًا سيرجع إلى الصدفة أو قد يعده محض خيال نسجه عقلك بحرفنة.
كان عليّ أن أستعين بالرياضات الروحية، فبدأت بممارسة التنفس الصحيح وجلسات التأمل، وكنت حريص أشد الحرص على الالتزام بكل التعليمات ومواعيد التدريبات، فأقوم بها صباحًا ومساءً حتى أتقدم سريعًا للمستويات الأعلى وأصل وأتحرر من سجن ومحدودية الجسد إلى التواصل الروحي مع نفسي أولاً، ومن ثم الوعي التقدمي في الاستيقاظ الذي يتحدثون عنه، لأراه ملموسًا، مؤثرًا، ومغيرًا لحياتي نحو الأفضل.
كان هذا حجة ومدخلي للذهاب إلى نورجيهان والحديث معها لسماعي بها وبعد أن ذاع صيتها في البلدة وما جاورها من قرى ومدن وبلدان.
في بداية الأمر، كنت أحضر كالأطرش في الزفة، كأني أدرس لوغاريتمات وكمية مصطلحات وأسماء ما انزل الله بها من سلطان، وتوجيهات غير معروف السبيل إلى تنفيذها من ضمنها مثلاً، عليا أن أزيل أية شكوك داخلي وأخلي عقلي تمامًا من أية أفكار وموضوعات سلبية كانت أو إيجابية كبداية وقبل الدخول في العمق – أو معنى أصح للوصول للعمق – تعلمت أن أجلس هكذا في أية وضعية مريحة وأخلي رأسي الصغير من أية أفكار تمامًا، وأستمع فقط لصوت أنفاسي وكلما شت تفكيري أعيده للمركز بالإنصات لصوت الشهيق والزفير.
ومن ثم ارتقيت لمستوى أعلى، وفيه، كان المطلوب لأتعافى مثلاً من الإرهاق أو نزلة برد على سبيل المثال، عليَّ أن أفكر في اللونين الأزرق أو الأخضر! أفكر أم أرى؟ تجيبني معلمتي الحبيبة بكل ثقة ، فكر.
-كيف ؟؟
-هو كدة، بالتركيز على أمر واحد فقط، ثم حاول، ثم حاول وحاول، الأمر سهل لو كنت بالفعل حققت تقدما ملحوظًا في المرحلة الأولى، بإفراغ كأسك من كل شتات العقل...
مر وقت ليس بالكبير حتى استطعت استيعاب وإدراك هذه اللغة الجديدة والقصد من ورائها وبدأت أفهم ما كنت أعتقده الغاز لهم وأترجمها جيدًا.
وأخيرًا، حتى في يوم كنت في جنازة والدة جاري، وعند المقابر وأثناء دفنها جلست على أريكة حجرية، أغمضت عيناي وبدأت بالتنفس كما علمتني، فرأيت اللون الأزرق بالتفكير فيه. ياه!
طيب ركز الآن وفكر بالأخضر، ثوانٍ عدت حتى تحول المكان كله إلى أخضر هذه المرة. من وقتها، صرت أتحكم في التنقل بين اللونين وكل ألوان الشاكرات، في جلسات التنفس معها بمجرد التفكير
صحت عاليًا: بدأت تندع.
ابتسمت لي ثم قالت: الآن ننتقل للمستوى الأعلى.. الاستشفاء:
يوجد شعرة دقيقة رفيعة جدًا بين الخيال والواقع، تلعب معنا لعبة القط والفار، بالنسبة لي كنت تارة أنجح وعشرات المرات أخفق – بالطبع الآن العكس- وقد كان هناك سؤال يراودني دائمًا، لماذا وكيف نجحت في أمر صغير.
وكنتُ أعلم أن من ينجح في الأمور الصغيرة الخيالية، يمكن أن يحقق نفس النجاحات في الأمور الأكبر ثم الأعظم إلى أن تتحول حياتي لسلسلة من المعجزات هكذا يقول الحكماء، وهكذا تحدث الواقع ويشهد التاريخ "أي شيء تملكه اليوم، كان يومًا ما نسج من خيال شخص آخر"(2)
-هو أنت قابلتِ صديقي الحكيم؟ شيء غريب وكأني سمعت كلامك من قبل منه.
ضحكت نورجيهان قائلة لا أعلم عمن تتحدث، دعني أكمل لك، ما تطيرش الكلمتين الحقولهم الله يكرمك من دماغي.
تابعت قائلة، ربما كان علينا أن نسجل أحلامنا ونطلقها لطاقة الكون، لا مانع من إعلانها ولو تحت مسميات أو عناوين أخرى غير كلمة "أحلام"، فهناك هذه الشعرة الدقيقة بين الحلم والواقع ينتقل فيها حلمك من حيز الخيال إلى حيز الوجود – الواقع- في حالة ما.
المتخصصون ممن درست معهم وهؤلاء النُسَّاكٌ والحكماء، ممن تتلمذت على أيديهم كانت توصيتهم الملحة أن أراقب أفكاري، وكذلك علماء الروح والمتصوفون يحذرون من تناول الأفكار السلبية، المهم هنا اختبار ذلك، التطبيق هام جدًا.
لم أكن أعرف كيف، ولا هم يملكون الكيف، الموضوع ذاتي بحت، ليس بالإمكان إعارتك أجنحتهم كما قال جبران.
ورغم علمي بصعوبة تحكم المرء في أفكاره وإدارة عقله وطريقة عمله إلا أنها ليست مستحيلة وتحدث، تبدأ بطيئة للغاية محدودة، ثم تسرع وتتعاظم. ولكن مرة أخرى الكيف سيكون سؤالك وسعيك أنت.
على كل حال ليس هذا ما أردت ترديده، فبعد خمسة عشر عامًا يمكن أن أقول راقب أفكارك، وخيالك وأحلامك وأكاذيبك وحتى مزاحك، سجلها وأعلنها وصرح بها ثم إنساها.
كم مرة تحول كذبك أو مزاحك إلى حقيقة بعد أن كان مجرد كذبة أو مزجة رددتها على الملأ أو على جمع من الناس؟!
كم حلم تحقق كان قديمًا مجرد خيال في عقل صاحبه؟
المهم هنا مرة أخرى أن تدرك "هذه الشعرة الدقيقة" لتحقق فكرة أو حلم ما.
التفتت ضاحكة بوجها القمري موجهة حديثها لتلاميذها: أحبائي أدعوكم للكذب – لن يكون الأمر صعب عليكم بالطبع – لا أدعوكم لشيء جديد، فنحن كاذبون بالفعل، كل ما أرجوه استثمار أكاذيبكم ومزاحكم بما يحقق لكم هذا التواصل الروحي والنمو والتطور وبالتالي حياة أفضل.
تذكر حلمك قد يكون في صورة كذبة تعيشها أو مزحة قلتها أو فكرة جاءتك في لحظة المهم لن يكون الأمر كافيًا أو ذا قيمة إن لم تعلنها على الملأ أو ما إذا قررت الاحتفاظ بها في نفسك.
جرِّب أن تصرح بها وتتحدث فيها وعنها وتعيشها بصدق شديد، أطلق صراحها من ذاتك إلى الفضاء ولن تنتظر كثيرًا، ستنظر فقط وتتذكرها عندما تراها أمامك تذكرك بنفسها.
في العصر الحالي صارت الأمور أسهل بكثير – عصر الديجيتال – هذا العصر الرقمي منفتح على طاقة الكون، فما أسهل وأسرع نقل الأكاذيب فيه، لم تعد للأفكار وحدها أجنحة، بل كل ما يسجل على الملأ تحت أي عنوان يمتلك أجنحة ضخمة وقوية . كل أكاذيب وخيالات هولوود تحققت "هممم أجنحة قوية"
في يوم السلام العالمي اكتبوا عن السلام الذي نحياه. ولو كآخر كذبة أتمنى أن يستجيب الجميع لطلبي هذا... نعم الجميع، ويعلنها على صفحاتهم.
اجعلوا الجميع يصدق الكذبة، استثمروا كذبكم ولو مرة في أمنية من المستحيلات.
استثمروه في الخير لمرة واحدة في حياتكم وقبل الرحيل.. جرِّبوا ما المانع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.