إلى أين؟ صدرت الإشارة وتردَّدت العبارات الصامتة، لم يكن هنالك وقت لتبادل الرأي، كلٌ تداعى في المسير كرياح راجفة.
نظر أحدنا إلى الخلف؛ فقيل له لا ترجع، فعرفنا أنه يجب أن نسرع قبل أن يملأ السيل مقاعدنا الشاغرة.
واتجهنا كلنا إلى حيث لا نعلم، ربما لمنزلٍ آخر، لجبهة أخرى، إلى ضباب آخر، أو مكان ما هناك يرقد بعيدًا عن ألسنة الموج والطرقات المراوغة.
للحياة لون آخر جديد، لكنه غريب وقارس.
الأرض ليست كهي، قلَّ أريجها، ملأ وجهها شحوب، غادرتها أسرابها..
أخذتنا الريح إلى قفارها، وأحاط بأرواحنا الماء والوحشة والصخور والظلام.
صعد بعضنا من بعيد إلى التلة فلم يجد أليفه، صعد نواحي الجبال ضل عشيرته، تجول ببصره في حدود الممكن وبقلبه خارج حدود المستحيل.
فقد الأرواح والظلال معًا ولم يجد شيئًا..
يا رب..
لكن في ربوعنا شجر الياسمين يقول القادم أفضل..
يتوسط جمعنا أطلال المنازل، شجر النخيل المنكفئ على أرضه، قبور الصحابة، الساحات الممتلئة بصوت رفقائنا، الحاويات والسيارات التي تحمل بصمة أصحابها ورائحة الغياب.
السيل يا عرب السيل...
نداء أخير قبل انطفاء الصوت بالماء وغيابهم، لكن أصداء حفظة القرآن يتردد صداها في الأفق، آية الكرسي، صوت الدعاء، ومسبحة هناك معلقة على جذع شجرة.
تحاملنا على أنفسنا حتى احتملنا، دفعنا للثبات صبر طويل، ربط على قلوبنا يقين بالله لا ينطفئ وأمل أخير .
إخوة في الدم..
هكذا كان حديثهم، صوت هناك ونداء استغاثة هنا، تعاقبت الأيام على أصواتنا حتى أتى الجميع.
دار تساؤل (من أي مكان أنت؟)
وظل الصوت ينتقل عبرهم:
من الشمال، من الشرق، من الغرب، من الجنوب..
فرقتنا السنون ووحدت الخطوب قلوبنا.
وبعد حين تغير وجه المكان..
حلق طائر هناك عاليًا بعد أن رآهم واطمأن بهم.
ثلاثة ينابيع تفجرت، وماء عذب انساب في ربوعهم، ظللتهم أطياف الأحبة... بسط الطائر جناحيه وانطلق عاليًا...
وجد سربه.. أضاءت كلمات الله روحه، ابتسم للأمل القادم، للجمع الذي لن يتفرق، لإيلاف جديد، وأمنيات في المدى تبدو على استحياء لكنها لا تنطفئ..
وفي المدى نداء يتردد صداه من بعيد.. يا عرب.
سبتمبر 18, 2023, 10:20 ص
شكرا جوك على إتاحة فرصة للكتابة في هذا الموقع الراقي
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.