خاطرة "السعادة".. خواطر تأملية

تتمثَّل السعادة في كونها إحساسًا شخصيًا واستثنائيًا، ولا يمكن أن يكون مجرد اقتباس لصنف من أصناف مشاهد حياة الآخرين، مهما كان وضعهم يشبه وضعنا المادي أو الاجتماعي مثلًا.  لهذا فقيمة هذا الشعور الفريد لا يتجلى في أن نختلقه عنوة لكي نتماثل به.  

بل إنه قد يكون أبسط من ذاك التعقيد المشبوه؛ لأنه مجرد ترجمة لحس عفوي ونابع من الأعماق تحت تأثيرات نفسية داخلية، وقد تأتي على إثر مؤثرات خارجية كذلك. لأن الحياة كما عهدناها،  حسب  رأيي المتواضع، قد تكون مجازًا طبعًا، على شكل كتاب به صفحات بيضاء،  ونحن  من يملأ فراغها بما قدمنا على فعله أو قوله أو حتى مشاركة الآخر في إنجاز تلك المحاولة على سبيل المثال.

ثم إنه لكل منا كتاب يحمل عنوانًا، وقد نجده أو نرثه مكتوبًا من طرف غيرنا، لكن صفحات كتاب كل منا، نحن من نحرر جمله وفقراته،  حينما  نمسكه بين أيدينا.  بل وحتى كيفية كتابته، فقد نشرع في هذه التجربة بطريقة موروثة، وقد نختار أسلوبنا الخاص في ذلك أيضًا.

كأن نبدأ كتابته أفقيًّا أو عموديًّا أو أن نتبع فيها وجهة دوران عقارب الساعة أو عكس ذلك.  فغالبًا ما نكون أحرارًا في اختياراتنا. إلا أن مشيئة الحياة أحيانًا تأخذ مجرى آخر، وذلك حينما ننتظر تحقيق غاياتنا منها مثلًا، بدل من أن نسعى وراء أهدافنا بها بكل جرأة وإقدام.  

فما السعادة إلا لحظات مميزة في حياة المرء.. هي حالات بريئة مما نحملها في أغلب الأحيان.  وخصوصًا،  عندما  نريد سرد بعض أوصافها رغم كثرتها،  فقد  توحى إلينا من السماء إلى الأرض على شكل أشعة شمس، أو كضياء القمر ليلًا،  أو  قد نحس بها حينما تصطدم قطرات المطر على أسطح أوجهنا،  وقد  تتجلى بوجود حميمية لصنف جنس لطيف بقرب جنس خشن.

وقد تأتينا في حالة ينتشي فيها المزاج ونحن نرتشف مشروبًا باردًا كان أو ساخنًا كذلك.  وهكذا،  وقد  تتجلى أيضًا في أبهى حللها عند الكثير، حينما يتفوق أحدهم بعد اجتياز اختبار أيًّا كان نوعه. وقد ترى على شكل مشهد فريد ورائع أخاذ،  وقد  يحيياها الفرد منا كما لو أنه مأخوذ به تحت تأثير وسيلة من وسائل المتعة والاشتهاء،  وهنا  لا حصر الأمثلة في هذا الشأن.

كلنا نأمل في غد أجمل ونسعى وراء سراب الفرج،  ولو  كان على شكل وهم أحيانًا.  فتجدنا   نحث أنفسنا على قبول الظرف،  على  أنه   قدر محتوم وأنه علينا أن نجابه الحال مهما كان مستعصيًا أو صار أمده مزمنا.  فيجب حينها أن نقبل بواقع الحال،  كما  لو أنه وليد حظنا.  فإن كانت المسألة تعتمد على السماح بمرور زمن معين، وبعده قد يأتي الانفراج المأمول،  فلا  بأس بذلك.  وإما وجب أن يواصل المنتظر السير إلى حال سبيله إلى أن يلمح بصيصًا مما كان يتوق إليه كنتيجة أو كلقاء أو كجواب كما يوده،   حسب تطلعاته وكما يتوخى تحقيقه في أقرب وقت ممكن.  

كما قد يتطلب منه الأمر أن يثابر على صبره وطموحه لبلوغ ولو بعض من أهدافه المرسومة من خلال منازلة الزمن على حلبة دنياه.  وذلك ليستمر في حلمه إلى أن يلمس ما يصبو إليه كمبتغى مادي كان أو معنويًا.  

لهذا قد تدفعه قوة حملة الإرادة الوجدانية لكي يضحي بأغلى ما يمتلك الفرد في هذه الحياة.  ألا وهي تلك الحمولة الوازنة التي حملها على عاتقه منذ أن وعي بقيمة إنسانيته من بين باقي المخلوقات الحية الأخرى.  

وهذه الخاصية   قد لا يتفرد بها إلا ذاك الشخص المميز بما وهب أو بما كسب عبر كل حواسه في سبيل لمس بعض من آماله المرجوة.  وكذا من أجل أن يتمكن من مسك خيوط لعبة الحظ أو القدر، حاملًا بيده مشعل التفاؤل عاليا،  ولا  يهم إن كان قلبه مفعمًا بحب الحياة أو فاقدًا له،  بل  الأهم أن يكون به إيمان راسخ بالشيء الذي يحيا من أجله وكفى.  

يقال إن للسعادة هرمونًا يطلق عليه اسم " السيروتونين “ وهو مسؤول عن الإحساس بها كلما تناولنا ‘ الموز' أو بعض المكسرات مثلًا،  فهل  إن أكثرنا منه صرنا أسعد مما يجب مثلًا؟  قطعًا لا ،  لأنه لا يكفي هذا وحده، رغم أنه قد يساعد على جلب بعض الاسترخاء وقد يعزز الشعور بالسعادة. لكن حقيقة سرها يبقى مدفونا بأحشاء الإنسان عينه،  بحيث  إن هو استطاع جعل أجواء حياته مفعمة بمشاعر الرضى عن نفسه أولًا،  لسبب  من الأسباب،  أو  أنه صار يلج أماكن الانبساط والبهجة،  بحيث  قد يطمئن القلب وينشرح الصدر ويرتاح البال،  الشيء  الذي قد ينتج عنه ذاك الإحساس بالاعتزاز والتفاؤل كذلك.

وربما كمثل هذا الشعور ما يترك ذاك الوقع الإيجابي على نفسية الفرد منا.  ولعل السعادة هي وليدة مخاض منتظر،  نابع  من شيء من الإثارة وبعض من السكينة،  مع  كثير من الامتنان والفكاهة إلى غير ذلك من أجواء الفرح والحب،  الذي  به تستقبل كل إحساسات الإطراء والطمأنينة. وعليه،  تعم  السعادة النفوس وتلقي بظلالها على القلوب،  فتنتشر  هالاتها على المحيا،  لتتدفق  من الأعين،  فترتعش  الأبدان صبابة وشوقًا.  

فكم من مواقف إنسانية هيجت المشاعر،  وأخرى  قلبت الموازين رأسًا على عقب،  وهناك  برزت على شكل جمود وانبهار،  ومنهم  من اغرورقت أعينهم بدموع الفرح،  هي  لمسة أو مسحة بريئة، هي عناق حب وعطف.  وكثيرة هي لوحات السعادة، إن هي أبانت وكشفت عن أسرارها.  وعلى العموم،  إنها  أجمل لحظات حياتنا،  مهما  كانت إطلالاتها علينا شحيحة، يبقى وجودها ضرورة ملحة،  وليس  فقط رغبة عابرة.

كاتب عصامي ينقل لكم مشاعره بكل أمانة. شكرا لمنصة جوك.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
نوفمبر 30, 2023, 11:37 ص - سمسم مختار ليشع سعد
نوفمبر 29, 2023, 2:41 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 29, 2023, 8:24 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 29, 2023, 7:31 ص - سادين عمار يوسف
نوفمبر 28, 2023, 7:06 ص - أسماء مداني
نوفمبر 27, 2023, 2:42 م - براءة عمر
نوفمبر 27, 2023, 1:17 م - عزوز فوزية
نوفمبر 27, 2023, 11:52 ص - سيرين غازي بدير
نوفمبر 27, 2023, 6:34 ص - بشرى حسن الاحمد
نوفمبر 26, 2023, 2:58 م - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 2:24 م - إبراهيم محمد عبد الجليل
نوفمبر 26, 2023, 10:15 ص - ايه احمد عبدالله
نوفمبر 26, 2023, 9:51 ص - ليلى أحمد حسن مقبول
نوفمبر 26, 2023, 9:27 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 8:03 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:52 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:35 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:01 ص - محمد بخات
نوفمبر 26, 2023, 6:32 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 23, 2023, 12:46 م - رانيا بسام ابوكويك
نوفمبر 23, 2023, 10:41 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 23, 2023, 8:28 ص - احمد عزت عبد الحميد محيى الدين
نوفمبر 23, 2023, 7:26 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 22, 2023, 2:20 م - محمد سمير سيد علي
نوفمبر 22, 2023, 2:00 م - عبدالخالق كلاليب
نوفمبر 22, 2023, 6:45 ص - محمد بخات
نوفمبر 21, 2023, 8:51 ص - مدبولي ماهر مدبولي
نوفمبر 20, 2023, 7:41 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 19, 2023, 1:27 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 19, 2023, 1:07 م - محمد بخات
نوفمبر 19, 2023, 12:42 م - جوَّك لايف ستايل
نوفمبر 19, 2023, 12:07 م - أسرار الدحان
نوفمبر 19, 2023, 11:06 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 19, 2023, 10:03 ص - فاطمة محمد على
نوفمبر 19, 2023, 7:49 ص - شاكر علي احمد عبدالجبار
نوفمبر 18, 2023, 11:36 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 18, 2023, 10:56 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 18, 2023, 8:09 ص - شيماء عبد الشافي عبد الحميد
نوفمبر 17, 2023, 7:32 م - سادين عمار يوسف
نوفمبر 17, 2023, 6:13 ص - يغمور امازيغ
نوفمبر 16, 2023, 8:30 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 15, 2023, 6:01 م - كامش الهام
نوفمبر 15, 2023, 2:57 م - فاطمة حكمت حسن
نوفمبر 15, 2023, 12:21 م - ساره محمود
نوفمبر 15, 2023, 11:00 ص - يغمور امازيغ
نوفمبر 15, 2023, 9:50 ص - ميساء محمد ديب وهبة
نوفمبر 15, 2023, 9:05 ص - سمسم مختار ليشع سعد
نوفمبر 15, 2023, 8:56 ص - حسن خليل سعد الله
نوفمبر 15, 2023, 7:54 ص - عمرو عبد الحكيم عوض التهامي
نوفمبر 14, 2023, 4:39 م - رزان الفرزدق مصطفى
نوفمبر 14, 2023, 4:16 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 14, 2023, 1:22 م - شهير عادل الغاياتي
نوفمبر 14, 2023, 9:41 ص - أسماء مداني
نوفمبر 14, 2023, 6:27 ص - أسماء منصور علي
نوفمبر 14, 2023, 5:24 ص - فاطمة حكمت حسن
نوفمبر 13, 2023, 12:03 م - سندس إبراهيم أحمد
نوفمبر 13, 2023, 11:17 ص - فاطمة حكمت حسن
نوفمبر 13, 2023, 6:43 ص - رؤى مالك القاضي
نوفمبر 12, 2023, 2:15 م - ميساء محمد ديب وهبة
نبذة عن الكاتب

كاتب عصامي ينقل لكم مشاعره بكل أمانة. شكرا لمنصة جوك.