قد تجعل الأحزان القلب مثل لوح الزجاج المكسور؛ لأن القلب بعد أن تغزوه الأحزان يصبح هشًّا غير قادر على المقاومة والثبات أمام أي ضربات قادمة؛ لأن صاحبه لم يعُد قادرًا على التفكير المنطقي المتأني، بل يخشى مما هو قادم باستمرار، ثم إن نبضاته تحمل الحيرة باستمرار.
لأن القهر أداة هدم مدمرة تدمي القلب وتجعله مثل الزجاج المهشم الذي لا يحمي صاحبه، بل يشارك في محاولة تدميره، حيث تتوالى الصدمات الصغيرة والكبيرة التي تجعل دقات القلب تصرخ من شدة معاناة صاحبها المحطم الذي يبكي نهارًا وليلًا محاولًا عن طريق الصراخ أن ينتحر ويقضي على صاحبه المرهق من انعدام ثقته في من حوله، ويصفهم بالخيانة، ويزعم أنهم تركوه يعيش المعاناة، وتخلوا عنه، وانسحبوا إلى عالمهم المرفه كما يظن، وهو باتهامهم جعلهم فعلًا يبتعدون عنه خشية من غضبه العارم الذي لا يرحم؛ وربما نالهم منه شظية من شظايا التعنيف والاتهام المريب.
وهو لا يدري أنهم كانوا يفكرون في احتواء مشكلته، لكن بعد أن تهدأ العاصفة التي تحرَّكت داخله، وجعلت منه بركانًا يقذف بالحمم كل من يقترب منه. وصاحبنا ترك التفكير في حل مشكلته، وسخَّر حياته لاختلاق العتاب واللوم لكل من يعرفهم حتى اسودَّت حياته، وأظلم نهاره، وأصبح حبيسًا بين الجدران يقسو على نفس صاحبه الذي أصبح هشًّا لا يحتمل أي كلمة، حتى لو جاءت عابرة، وكان الغرض منها إعادته بالتدريج إلى الحياة الطبيعية.
أصبح الجميع بين نارين حتى يسترد صاحبنا وعيه الغائب ويقف على أرض ثابتة: هل يقسون عليه أم يحنون عليه ويضعونه على الخريطة وضعًا صحيحًا؟
هنا يجب أن يتدخل أهل الخبرة من الشيوخ العقلاء الذين مرَّت عليهم مثل هذه الحالة أو حالة شبيهة بحالة صاحبنا، حتى يعيدوا الطائر الشارد إلى السرب ويتقبل الواقع بحلوه ومره، ويدرك أن الحياة ليست كما يريد هو فقط، وعليه أن يقبل المتاح أمامه ولا يضيع الفرصة.
لا بد أن يتحرَّك العقلاء من الناس الذين عركتهم الحياة وأذمتهم كثيرًا لشرح تجاربهم لصاحبنا، لكن بأسلوب مقنن ومقبول؛ لأن هناك من عجز عن إعادته بكلمات فظة لم يقبلها منهم؛ لأنهم لم يختاروا الوقت المناسب لترديدها، بل كانت كلمات مزعجة تدخل اليأس وكراهية الدنيا لكل من يسمعها.. كانت مثل الصخور التي سقطت على رأسه وحطمت كل الصور الجميلة التي عاش معها وجعلته غير سعيد.
هنا يأتي دور فريق الأصدقاء المخلصين بفكر جماعي ووجوه يعلوها البشر، وهي متخصصة في صنع الخير وليس في قتل براعم زهور الحياة، باحتواء صاحبهم والصبر عليه حتى يسترد ثقته في من حوله ويعود رويدًا رويدًا إلى عالم الحياة الجميل بعد أن يلمس نسمات المودة والروح الطيبة التي تجعله يشعر بالارتياح وتخفف من آلام القلب المكسور الذي كاد يقتل صاحبه.
هنا أقول: دعونا أن نحمل المحبة في قواريرها وننشرها حتى تخرج الجميع من همومهم التي تعربد، ونُغيِّر حياة الجميع إلى الأفضل، ونتعامل بكل صبر وتأنٍ مع كل مكسور من الداخل.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.