خاطرة «الرجل العجوز وصديقي».. خواطر اجتماعية

يحكي لي صديقي أنه في ذات مرة كان يقود سيارته ليلًا متجهًا إلى منزله، وفي الطريق مع أضواء الشارع الجانبية المنخفضة شاهد رجلًا عجوزًا يقف إلى جوار الشارع ملوحًا للسيارات، لعل أحدهم يقف ويقله، فيقرب المسافة إلى منزله.

أشفق صديقي على هذا الرجل العجوز، وخشي عليه أن تصدمه سيارة عابرة، وهو يقف بالقرب من الشارع المملوء بالسيارات والمنخفض الإضاءة.

قرر صديقي أن يتوقف، ويدعو الرجل العجوز إلى الركوب معه، وفعلًا فعل ذلك صائحًا:

- هيا يا عمي، اركب معي، سأوصلك إلى وجهتك.

وفعلًا ركب الرجل العجوز في المقعد الأمامي شاكرًا له حسن صنيعه، وأخذ صديقي يتجاذب أطراف الحديث مع الرجل العجوز، ويتحدث عن هذا الزمان الصعب، ويحاول تذكير الرجل العجوز بأيامهم الجميلة التي كانت مملوءة بالخير والبركة.

وفعلًا بدأ الرجل العجوز يسرد حكاياته وقصصه عن ذلك الزمان، ولدهشة صديقي كانت السنوات التي يذكرها هو نفسه قد عاشها بنفسه، فالأمر ليس بعيدًا جدًّا كما كان يعتقد، ودهش من تلك الحكايات التي تبدو كأنها من العصر العباسي أو الأموي. 

كان صديقي يقود سيارته دون أن يلتفت إلى الرجل العجوز، فقد كان مركزًا في الطريق بسبب الازدحام والأضواء الخافتة، وكان يمكن لأي التفاتة منه أن تتسبب بحادث، لا سيما أنه كان في الليلة السابقة أمطار وضباب يجعلان الرؤية صعبة.

واصل الرجل قصصه التي فقد صديقي الاهتمام بها، وأخذ يفكر في أن هذه القصص معظمها مرت به، وأخذ يتساءل: هل أنا تقدمت في العمر أم أن هذا العجوز ليس لديه قصص في ذاك الزمان الذي لم يحضره أو يشهده.

اقرأ أيضًا: نصائح نفسية للتعامل مع كبار السن

ثم فجأة توقفت حركة المرور بفضل الازدحام، فوجدها صديقي سانحة للالتفات والنظر إلى الرجل العجوز، وكم كانت دهشته عميقة وكبيرة، فقد اكتشف صديقي أن الرجل العجوز هذا لم يكن سوى زميل دراسة درس معه ورافقه في المراحل المبكرة من مرحلة الدراسة المدرسية، وللتأكد سأله:

- هل أنت فلان الذي درست في المدرسة الابتدائية؟

فالتفت الرجل العجوز بدهشة، ثم ما لبث أن ذكر اسم صديقي، ثم وضع رأسه على يده:

- يا للهول، لقد كبرنا وتقدمنا في العمر.

ومن ذلك الوقت حتى اليوم أصبح صديقي ملازمًا للمرآة، يتطلع إلى التجاعيد التي تزداد يومًا بعد يوم، وكلما تذكر ذاك الموقف أصابه الإحباط، وقرر إجراء عملية شد وجه، ويتساءل:

- هل كبرنا إلى هذه الدرجة أم أن الزمان قد غدر بنا؟

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة