وما الحياة إلا قطار يسير
على قضبان الزمن الطويل
المنحني والمستدير
لا نعلم من أين ابتدأ
ولا ندري له نقطة منتهى
ونحن نلهو بين العربات
على أصوات ضجيج الهدير
نهتز إذا اهتز بنا
حتى وإن مال نميل
ومع كل استدارة منه نستدير
قطار الحياة لا يعرف أحدًا منا
مع أننا نعرفه ونعشقه
قطار لا يشعر بمشاعرنا
مع أننا في عشقه قد اقتتلنا
قطارًا لا يمتلكه أحدٌ
ولو حتى منه تمكنا
بداخله تلاقينا وتعارفنا
تراقصنا وتمازحنا
بداخله تموج كل مشاعرنا
تنمو الأحلام وتتكاثر
بين حناياه تتداخل
أيام تجري وتتسارع
سنوات العمر تتصارع
طفل يدخله يحبو
يخرج منه عجوزًا آخر
قطار يجري بلا رحمة
لا يعرف وقتًا ولا زحمة
من يسقط منه فليعلم
ليس لسقوطه من رجعة
حياة المرء في عربة
ومن عربة إلى عربة
ويظن تقدمه نعمة
وإن زاد تقدمه هلكه
قطار وسار
بلا سائق أو ربان
مدده يأتي من الرحمن
بداخله كل الأشكال
كل الأصناف والألوان
بداخله تنمو الأشجار
وحدائق بين الأسوار
وقصور تحت الأنوار
أسماك تحت الأنهار
ونسور من فوق جبال
حتى الأفيال والحيتان
بداخله كل الأسرار
بداخله قرود الغابة
تتقافز في كل مكان
وعيون الوحش تتربص
فريسته بين الأغصان
بداخله يحيا الإنسان
يتدبر معنى الأكوان
والعقل الباحث يترنح
ما بين الفكر والهذيان
يتدبر معنى الكلمات
معنى الأسماء والإشارات
قد حاول فك الشفرات
بالحروف وبالأرقام
بالنبضات وبالسكنات
وأعد العدة باللوغاريتمات
قد حاول غزو السماوات
ويدور بين الأفلاك
يبحث في كل الأقمار
بين الكواكب خلف الستار
قد حاول هدم الجدران
غزو البحور والوديان
يبحث عن سر الأسرار
يبحث عنه في كل مكان
يبغي الخلد في الأزمان
إنسان لا يخشى شيئًا
صارع في الماضي لكي يبقى
وحوش الغابة والغيلان
تغذى على كل الأشياء
من الدجاج إلى الحيتان
يريد الخلد ولا يخشى
إلا من لبس الأكفان
يريد الخلد ولا يدري
أن الأيام على القضبان تدور
تغزل من الساعات أيامًا
ومن الأيام شهورًا
وحتمًا قطار الحياة ماضٍ
وحتمًا من دخول للقبور
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.