استيقظ فزعًا كعادته، يلهث تحت وطأة كابوسٍ جديد، فقد رأى زوجته توجِّه المسدس إلى رأسه ثم تضغط على الزناد بلا تردد. ارتفع ضجيج أصوات الحياة من حوله، مختلطًا بخفقان قلبه المتسارع، وهو يحاول استيعاب انتقاله من الكابوس إلى الواقع.
جلس على طرف السرير، متكئًا برأسه على كفَّيه، يتساءل عن سبب تكرار هذه الكوابيس. قرر أن يفضي بها إلى أحد أصدقائه علَّه يجد في البوح راحة، لكن هاتفه المحمول كان مُلقى بجانبه، مفرَّغًا من طاقته، كأنه يشاطره العجز عن التواصل.
استسلم لذكرياته، تذكر صوت زوجته في المطبخ وهي تحضر وجبة الإفطار مع فنجان قهوته الصباحية، قبل أن تفتح باب الغرفة بحيوية وتجلس بجانبه، تمسح جبينه بأصابعها الناعمة. كان يضمها إليه، يستنشق عطرها الذي يملأ رئتيه بالراحة، لكن هذه اللحظات لم تعد سوى شبحٍ من الماضي.
غادرت زوجته قبل أشهر، لكنها لم تبتعد كثيرًا، إذ أنشأت دارًا للأيتام في المبنى المجاور، متفرغة لرعاية الأطفال المحتاجين. ترك ذلك فراغًا كبيرًا في حياته، ملأته الكوابيس التي تهاجمه كل ليلة.
في صباح هذا اليوم، نهض وهو يشعر بثقل غير مألوف، واتجه إلى أحد الأدراج، وأخرج منه مسدسًا قديمًا. جلس على طرف السرير مرة أخرى، يُحدِّق في المسدس متسائلًا إن كان باستطاعته إنهاء معاناته بهذه الطريقة.
لكن فجأة، سمع صوت زوجته من الخارج، ضاحكة تقول:
"لقد أزلت خزنة المسدس! هيا، تعال وتناول فطورك أولًا، ثم فكِّر في أي شيء آخر. لا يصح أن تتجاهل فطورك، حتى في أحلك الأوقات!"
انفتح باب الغرفة، وظهرت زوجته تحمل طبقًا من الطعام. اقتربت منه وجلست بجانبه على السرير، تمسح جبينه بأصابعها، وقالت بابتسامة دافئة:
"هل يعقل أن تستسلم بهذه السهولة؟! كل ما تمر به بسبب أنك لا تلتزم بتناول دوائك. ويبدو أن خيالك أضاف تفاصيل جديدة؛ هذه المرة كنتُ مديرة دار أيتام، أليس كذلك؟"
ضحك بخجل ورد:
"نعم، هذه المرة كنتِ مديرة دار أيتام."
أمسك يدها بقوة، واجتذبها إليه، مستنشقًا عطرها الذي يعيد إليه الحياة. لكن، قبل أن يطمئن قلبه تمامًا، قال مازحًا:
"قد أكون بحاجة إلى أكثر من مجرد دواء... ربما أحتاج وجودك بجانبي كل يوم"
ابتسمت وقالت:
"حسنًا، لكن بشرط أن تلتزم بالعلاج، وتترك تلك الأفكار الغريبة وراء ظهرك. الحياة كلها تحديات، لكننا دائمًا أقوى منها حينما نواجهها معًا."
أدرك في تلك اللحظة أن الكوابيس ليست سوى انعكاس لمخاوفه، وأن وجودها بجانبه كفيل بأن يبدد كل ذلك. بدأ يشعر أن الأمل يعود إليه شيئًا فشيئًا،
وأيقن أن الحياة تستحق الحياة.
نعم الحياة تستحق الحياة
رائع
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.