لا أدري لماذا نخاف الحرية المطلقة؟
أعتقد أنها تحتاج بعض القيود؛ لأن تبعيات توغل الإنسان فيها ستفقده أشياء كثيرة؛ لأن مصلحته سوف تتعارض مع مصلحة غيره، ما يعني أن كل شخص سينحاز إلى رؤيته الخاصة ويدافع عنها ويعاند في دفاعه بشراسة؛ لأن كل شخص يحترم وجهة نظره، ويرى أنه على حق وأن معارضيه يريدون حجبه عن تحقيق أهدافه.
إذا استسلم، لم ينجُ من سخريتهم واتهامه بالضعف وعدم قدرته على المواصلة، وإذا واصل المعارضة اتُّهم بأنه شخص يحاول تحقيق المكاسب، وأنه لا يملك الأدوات التي تؤهله لتمرير رؤيته ولماذا كابر وخاض معركةً لم يكن على قدرها.
إذن حتى تُرضي غيرك، عليك أن تتخلى عن كل أفكارك وتلقي بها خارج الاهتمام، وتستسلم أو تسلم بما قرروا أن يقدم لك من الفتات، فأنت لا تمثل لهم شيئًا.
عليك أن توازن في علاقاتك بالناس، ولا تكشف كل أوراقك، بل أخفِ بعضها إذا استطعت، ولا تتحدث أو تتباهَ بصراحتك؛ لأنك بها أصبحت كتابًا مكشوفًا لا يُجهد القارئ نفسه في التعرف إلى فحواه.
عليك بالتوازن في الحديث، يجب أن يحمل صوتك نبرة غير حادة وغير هادئة، بل اختر منطقة وسطًا كي لا يقاطعك من يسمعك أو يهملك.
اجعل كلماتك كالسهام التي تصيب أذن من يسمع، تعبر عمّا تريد قوله فقط، وليس ما يريدون معرفته مرة واحدة.
اجعلهم في حالة متابعة مستمرة وتلهف للمثول أمامك في كل ندوة تتحدث فيها، حتى لا يجرؤ بعضهم على التنصل من مواعيد المحاضرة بأي حجة من الحجج، عندما تتحدث كن مدركًا أبعاد حديثك وما تريد أن تنقله على دفعات وليس دفعة واحدة، اجعلهم لا يملون من كلامك أبدًا، بل دائمًا يحاولون الحضور حتى لا يفوتهم أي شيء؛ لأن الاتفاق مع الحقيقة مهم، وليس مع الماضي.
عامل الجميع معاملة متوازنة -سواء كنت تحبهم أو تكرههم- لا تتبع سياسة الأرض المحروقة، لكن سياسة السيطرة الحقيقية وجعل الجميع يراك القدوة.
صحيح أنك تعيش حياة قلقة ومهتزة، وهكذا تكون حياة المفكرين على مر التاريخ.
أهم شيء في الحياة هو أن تتعايش مع نفسك، وتعرف ما يدور حولك بوعي وخبرة حتى إذا أقدمت على خطوة غير محسوبة، فلا تخسر كل شيء، والحياة مدرسة كبيرة ولا يتعلم منها إلا ذو العقل الواعي الفطن الذي يعرف ألّا شيء يأتي من العدم، ما يجعله يتعامل مع الواقع بحنكة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.