في عالمنا المعاصر، يختلف الناس في كيفية فهمهم للحب وطرق تعاملهم معه. البعض يراه رحلة من التكيُّف والمساومة، في حين يراه آخرون فرصة لتعديل الشريك وجعله "نسخة مثالية" تتماشى مع أفكارهم وطموحاتهم.
ولكن هل من الصحيح أن نحاول تغيير من نحب، أم ينبغي أن نقبلهم كما هم؟ وهل من العدل أن نعد العلاقة العاطفية مشروعًا يتطلب تعديلات مستمرة، أم أننا بحاجة إلى إعادة النظر في هذه النظرة؟
من الشائع أن نسمع عن فكرة "تغيير الحبيب"، وهي فكرة مغرية للكثيرين ممن يعتقدون أنهم قادرون على تشكيل الآخر ليصبح مطابقًا لتوقعاتهم. لكن هل هذه الفكرة منطقية؟ وهل تمثل حبًّا حقيقيًّا أم مجرد محاولة لتعديل شخص آخر على مقاسنا؟
إن الحب الحقيقي لا يعني تعديل الشخصية أو محاولة فرض رؤيتنا على الآخر. فكل شخص، مهما كانت درجة قربه، له شخصيته المستقلة، وله صفاته الخاصة التي تجعله فريدًا. ومن هنا تأتي أهمية القبول، فالحب لا يتحقق إلا عندما نقبل الآخر بكل تفاصيله، بما في ذلك عيوبه.
قد يبدو للبعض أن التغيير هو نوع من "المسؤولية العاطفية"، أو أنه تعبير عن اهتمام حقيقي بالشريك. لكن هذا ليس إلا وهمًا كبيرًا. إذا دخلنا في علاقة بدافع تعديل شخص آخر، فإننا بذلك نكون قد خلطنا بين الحب والتربية أو إصلاح العيوب.
الحب ليس ورشة عمل أو مشروعًا للتطوير، بل هو رحلة مشتركة يكتشف فيها الطرفان أنفسهما وبعضهما البعض. التغيير الذي يتطلبه الحب يجب أن يكون تغييرًا نابعًا من رغبة مشتركة في النمو، لا من رغبة طرف واحد في فرض تصورات مسبقة.
الحديث عن "مشروعات عاطفية" يجب أن يتوقف إذا أردنا أن نحترم فكرة الحب كعلاقة حرة وصادقة بين شخصين. فالحديث المستمر عن "تغيير الآخر" يضعنا أمام اختبار حقيقي: هل نحن نحب هذا الشخص بعيوبه قبل مزاياه، أم أننا نبحث عن شخص آخر مطابق لتصوراتنا؟
في الحقيقة، لا أحد يستحق أن يكون مشروعًا عاطفيًا، كما لا أحد يجب أن يكون عرضة لتعديلات مستمرة. فالحب الحقيقي لا يأتي من محاولات التشكيل، بل من التقبل والمشاركة.
في النهاية، من المهم أن نعرف أن الحب لا يعني أن نغير الآخر، بل أن نتقبله كما هو. فالحب ليس ورشة صيانة أو مشروعًا عاطفيًّا، بل هو مساحة من الحرية والقبول المتبادل. وإذا كنا غير قادرين على قبول الشخص كما هو، فقد حان الوقت للتفكير في موقفنا تجاه العلاقة.
وفي هذا السياق، قد يكون من الأفضل "نفضها سيرة"، كما يقال، و"كل قرد يلزم شجرته". لأن الحب ليس عن تغيير الآخر بقدر ما هو عن التفاهم المشترك، وإذا كان التفاهم مستحيلًا، فإن البحث عن شخص آخر قد يكون الخيار الأفضل.
القبول هو أساس الحب، والتغيير ليس بالضرورة بداية علاقة صحية.
نعم الحب هو أن تقبل الاخر كما هو
كلمات رائعه
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.