كثيرًا ما يتباهى العرب عمومًا بالحفلات والولائم التي يقيمونها في مناسبة ما، مثل حفلات الزفاف والموائد الرمضانية والدعوات لتناول طعام الغداء أو العشاء على شرف شخصية مرموقة أو ضيف.
وفي هذه الحفلات يتم ذبح الأغنام أو الأبقار أو الأبل؛ ففي موريتانيا والصحراء المغربية والسعودية يقومون بذبح الجمال، وفي الدول المغاربية يقدمون اللحم مع الكسكسي، وفي السعودية ودول الخليج مع الأرز.
وفي الصومال يذبحون الأبقار، وفي مصر والشام والعراق يذبحون الأغنام.
وأكلة المنسف مشهورة في الشام عمومًا، ويتكون المنسف لمن لا يعرفه، من لحم الغنم والأرز ومرق اللحم المطبوخ مع اللبن المجفف ويسمونه "جَميد"، ويَرُشون فوقه المكسرات، وكل حسب مركزه في مجتمعه وحسب بيئته.
فمنهم من احتفل بذبح 25 رأسًا من الأغنام أو جملين أو ثلاثة أو أربعة رؤوس من الأبقار.
ولو أضفنا إلى ذلك ثمن الأرز والمرق والحلويات والمشروبات، لوجدنا أن ثروة قد ضاعت وطارت في بضع ساعات، قد تعادل هذه الثروة رواتب موظف جامعي لأكثر من عام.
ولعدم وجود ثلاجات ضخمة ليُحفظ بها اللحم والطبخ الزائد، يوَزَّع قسم منه على العمال والجيران وآخرين.
أما معظم الطعام فيذهب إلى حاويات القمامة، والأدهى والأمرُّ من ذلك، أن صاحب الدعوة قد يضطر إلى الاستدانة من البنوك أو من الأقارب والأصدقاء، ليحافظ على سمعته ومركزه الاجتماعي.
أما في دول أوروبا وأميركا، فالحال مختلف. فكل من يزيد من طعامه بشكل ملحوظ في المطاعم، يُغَرّم وهذه الغرامة تحتسب على قَدر ما راح هدرًا من الثروة القومية.
ذات مرة، دعوت مجموعة من المعارف في دولة أوروبية لتناول العَشاء. ولما كان يوم أحد، والساعة تعدت التاسعة مساء، كانت المطاعم مغلقة.
فقال أحدهم أنه يعرف سيدة تجهِّز وجبات طعام في بيتها، ولم يكن بعيدًا، فذهبنا سيرًا على الأقدام. وهناك، كان من ضمن ما طلبناه سلطة بالجبن.
فقال أحدهم "زوِّدي الجبن، فأنا جائع"، وجلست معنا على الطاولة لتبادل الحديث وهي تحضر السلطة ريثما ينضج الطعام.
ومما لفت انتباهي، أنها كانت تأخذ ورقة الخس بيد وتتفحصها ومعها مقص صغير في يدها الأخرى يشبه مقصات الشوارب.
فأخذت بقصِّ الأجزاء التالفة من الورقة وفرمت ما بقي منها، وهكذا فعلت في خمس أو ست ورقات، ثم جاءت بقالب الجبن وقطعت منه قطعة كبيرة وأعادت الباقي إلى الثلاجة.
وأخذت بتقطيع الجبن إلى مكعبات صغيرة لا يتجاوز حجم كل مكعب منها سنتيمترًا مكعبًا واحدًا. وبعد أن انتهينا من عشائنا، نظرَت في الصحون فوجدَت مكعب جبن واحد.
ونظرت إلى الشخص الذي قال لها «زوِّدي الجبن» وقالت: أنت من طلب الزيادة وأنت الذي ستأكلها.
إنها ثروة قومية، فماذا علينا أن نقول عن ثروتنا القومية التي تجد طريقها إلى حاويات القمامة كل يوم؟ قال تعالى «(وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)) [الإسراء: آية 29]» صدق الله العظيم.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.