خاطرة «البودي جارد عنترة بن شداد».. خواطر اجتماعية

عندما تتلاقى قدرات الإنسان ومواهبه مع ظروف الزمن الذي خرج فيه تنتج منه إنسانًا ناجحًا بكل المقاييس.

من المحال أن تلقى موهوبًا في كرة القدم في العصر الأموي؛ لأن كرة القدم لم تخترع أصلًا، ولا يمكن نقل نجاح أي إنسان من زمن إلى زمن آخر. ‏

مجد الماضي مرتبط بالماضي، ومجد الحاضر مرتبط بالحاضر.

من نجح وحقق مجدًا في العصر الجاهلي لا يمكن أن يكرر النجاح نفسه لو وُجد في زمننا هذا، ومن نجح في الستينيات لا يمكن أن يكون كذلك في 2024.

‏عنترة بن شداد مثلًا لو خرج في سنتنا هذه 2024 وفقًا لقدراته ومواهبه التي قرأنا عنها في الكتب من القوة والعضلات وجندلة الخصوم والشعر والفروسية... إلخ لا تنفع كثيرًا في هذا الزمن.

كانت ذات قيمة في ذلك العصر السحيق، وسيصبح عنترة وفقًا لظروف الزمن الحالي على أقصى حد (بودي جارد) أحد الشخصيات المهمة أو المشهورين، أو قد يكون بطلاً في كمال الأجسام، وقد ينال ميدالية ذهبية في الأولمبياد، فالفروسية ولى زمنها؛ لذا سيتركها على أي حال، وسيبحث عن وظيفة أخرى.

أرأيتم كيف حوله الزمن من فارس لا يُشق له غبار إلى إنسان نكرة؟

موهبة المتنبي التي لفتت الأنظار وسحرت الألباب قبل أكثر من 1000 عام لن تكون ذات قيمة كبرى لو خرج الآن في زمن توارِي الشعر الفصيح.

الزمن غير الزمن، وترتيب الشعر في العصر الذي خرج فيه المتنبي غير ترتيبه الآن، لا يوجد للشعر منافس في ذلك الوقت، كان مهيمنًا على الحياة العامة، أما الشعر اليوم فقد تراجع إلى الوراء كثيرًا لمصلحة أمور أخرى استجدت، الشعر عمومًا لم يعد كما كان فضلًا عن الشعر الفصيح.

فمن الممكن لو ظهر المتنبي في المملكة في هذا الزمن أن يلقي قصيدة في افتتاح مهرجان الجنادرية، وقد يظفر بلقب في مسابقة أمير الشعراء، وينال بيرق الشعر.

الهيلمان الذي صاحب بروز موهبته بالأمس لن يتكرر اليوم، وسيفقد الجزء الأكبر من شعبيته، وسيكون مجرد شاعر فصيح، وجمهوره ضئيل؛ لأنه شاعر يكتب بالفصحى، وبعد ذلك لن يلتفت إليه أحد، وحتمًا لن يخلده التاريخ، وسيكون في طي النسيان كغيره من جحافل الشعراء.

لا شك أنهم نالوا مجدًا، بيد أن مجدهم تلازم مع الزمن الذين خرجوا فيه، لا انفكاك عنه.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة
بقلم نجل الدين علي صالح البازلي
بقلم امجد احمد عطيه العجارمه
بقلم محمد ابراهيم عباده
بقلم بسمة رمضان السيد
بقلم سماح منذر حلاق