حينما نبكي على الحنان الذي كان يعيش معنا أو الذي كان يعيش داخلنا، ويتولد تلقائيًّا، لكن للأسف جاءت قسوة القلوب داخل الجميع وهدمت كل مشاعر النمو، ووأدتها في مهدها قبل أن تتحرك.
ما أتحدث عنه هنا هو التغيرات التي حدثت في قلوب البشر عندما تتبدل صفاتهم الداخلية، خاصة فيما يتعلق بالحنان والقسوة؛ لأن الحنان إذا كان جزءًا من طبيعتنا، فإنه يملأ حياتنا بالدفء والرغبة في العطاء، ويحفز الرغبة في نمو العلاقات.
لكن مع مرور الزمن، تتحرك رياح القسوة وتقتل هذه المشاعر، محولةً القلوب إلى جلاميد من الصخور، وتكون مليئة بالحواجز التي تقتل التفاعل الإنساني الطبيعي.
أما البكاء على الحنان الذي كان يعيش داخلنا فهو تعبير عن الصفاء النفسي، الذي كان يجمع بين العطاء والتسامح. وفي مقابل ذلك، تظهر القسوة كحاجز يقف أمام نمو مشاعر الودِّ، ليعوق القلب عن الانفتاح والمشاركة الحقيقية.
القسوة هنا تعد أثرًا من الآثار السلبية في الحياة، مثل الصدمات، التي قد تؤدي إلى تحول الإنسان من شخص طيب إلى آخر متشدد عاطفيًّا.
يأتي الحديث هنا عن هذا الجانب الذي يبرز حجم الألم الشديد من ضياع تلك الصفات الطيبة التي كانت تميزنا، وكيف أن هذه التغيرات عصفت بالنفس البشرية على نحو عميق.
عندما نشير إلى "البكاء على الحنان"، نحن هنا نتألم بسبب التأثر العميق لحالة الفقدان التي نعيشها على نحو يبرز المعاناة. الحنان عاطفة كانت تجعلنا نتفاعل بلطف مع الآخرين، وتعبر عن طبيعة لطيفة.
أما البكاء هنا فليس فقط على فقدان ذلك الحنان الظاهر في تصرفاتنا، ولكن على الحنان الذي كان يعيش معنا في مرحلة من مراحل العمر، كانت فيها مشاعرنا أكثر عاطفة وأقل قسوة. وكنا خلال تلك المرحلة نشعر أن الحنان جزء من هويتنا، وعندما نتذكر ذلك نبدأ في الحزن؛ لأنه أصبح أقل وضوحًا أو ربما اختفى بلا رجعة.
الحنان ليس فقط شعورًا يظهر في مواقف معينة، بل هو جزء من كياننا الداخلي، وكان يتولد على نحو طبيعي دون حاجة إلى جهد أو تفكير.
غالبًا ما يرتبط هذا النوع من العاطفة بالعلاقات الشخصية الحميمة، مثل علاقة الأب بأبنائه أو علاقة الأصدقاء ببعضهم، حيث تتولد المشاعر الطيبة دون حاجة إلى طلب أو انتظار مقابل.
ولكن مع مرور الزمن، وتغير الظروف، قد ينهار بنيان الحنان أو يتوارى. وهذا ليس بسبب عدم وجودها أساسًا، بل نتيجة ضغوط الحياة التي يمكن أن تؤثر في قدرتنا على الشعور باللطف والرحمة تجاه الآخرين.
القسوة هنا تشير إلى حالة التصلب العاطفي التي يتبناها بعض الأشخاص، خاصة عندما يصطدمون بالحياة ومشاقها.
القسوة هي ضد الحنان، حيث تكون مشاعر القسوة أو اللامبالاة حاجزًا يحول بين الشخص وبين التعبير عن مشاعر الحب أو الرغبة في العطاء. القسوة لا تقتصر على تدمير العلاقات، بل تؤثر مباشرة في المشاعر. بمعنى آخر، القسوة تقتل نمو المشاعر العاطفية، وتدمر جمال الحياة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.