خاطرة "الأمانة".. خواطر اجتماعية

وأنت في خضم الحياة لا بد أن تصادفك أمور منها ما تبعث على الارتياح، ومنها أيضًا ما تتوقف عندها وتتساءل كيف أن أحدهم يتصرَّف بهذه الطريقة، لكن حين ترى كيف نشأ والبيئة التي تربى فيها فإن التساؤلات كلها تتوقف ولا تصبح لها قيمة؛ لأن الأمر تعدى إلى كون من يقوم بهذا التصرف هو من عليه أن يبدأ فورًا بتقويم نفسه وإلا فإنه يصبح معدٍ لما يقوم به.

في الواقع أتحدَّثُ عن الأمانة تلك العبارة التي تحمل الكثير من المعاني السامية والمدلولات الطيِّبة، لكن هناك من شوه صورتها وأعطاها معانٍ أخرى بعيدة البعد كله عن كنهها الحقيقي.

إننا لا نستطيع أن نحصر الأمانة في فعل أو تصرف واحد فقط، وإلا فإننا لن نوفيها حقها كاملاً؛ لأنه وإن نظرنا جيدًا فإننا نجدها في الكثير من المواقف والتصرُّفات التي يقوم بها الإنسان في حياته اليومية. فنرصدها في ذلك الطالب الذي يعتمد على نفسه ولا يرضى لنفسه أن يغش من أجل بعض العلامات التي يتحصل عليها.

نراها أيضًا في ذلك التاجر الذي يأبى أن يخفي ما هو رديء من البضاعة وإبراز الجيد، نراها في ذلك الموظف الذي يُكمل ساعات عمله ولا يهجر مكتبه إلا حين نهاية الدوام، في ذلك الأب الذي لا يحرم أبناءه من مجالستهم والاستماع إلى انشغالاتهم، فتراه يعرف تفاصيل بيته جيدًا؛ لأنه أعطاه من وقته ولم يرد أن يخون الأمانة.

في حين نرى عدم الأمانة في ذلك الذي يخون نفسه ولا يعطيها حقها من تقربه من الله، فنراه يخون نظره ويدعه يلقيه إلى ما حرمه اللَّه، ويخون أذنه ويدعها تتلقى على مسامعه ما يُغضب الخالق، ويخون يده حين يدعها تقترب من الحرام من رشوة أو ما شابه من الأمور التي تفسد عليه دينه، حتى إنه يخون قدمه حين يذهب بها إلى أماكن نهى عنها اللَّه أو حرمها، فتضيع روحه وتتوه وتهيم على وجهها.

نجدها أيضًا عند تلك الأم التي تحمل من معنى الأمومة فقط الاسم، أما ما تقوم به فهو بعيدٌ البعد كله عن الدور الذي رسمته لها الحياة من تربية وإرشاد واحتواء وحتى النهي عندما يستلزم الأمر ذلك.

في الحقيقة، لا يمكن لنا أن نحصر الأمانة في عمل واحد بل هو موضوع متشعب وواسع، لذلك ارتأينا أن نذكر منها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، ومنه نرى أن المشكل يتعدى بعض التصرفات التي تنزع عن الأمانة بعضاً من صورها الجميلة التي يرتقي بها الإنسان ويسمو بها نحو الأفضل.

فعليه فإننا لو نتتبع أصل تلك التصرُّفات التي أضرت بصفة الأمانة نجدها في تلك الأوامر والنواهي التي لم تجد لها مكانًا داخل الأسرة خلال تنشئة الفرد، التي من المفترض أن يتلقاها من الوالدين، وحين كان يتصرف على هواه وبطريقة غير صحيحة ولم يجد الردع من أهله، إلى أن ترسخت فكرة أن كل شيء مباح، وأن التصرفات التي يقوم بها ليس لها رقيب ولا حسيب.

إن موضوع الأمانة من المواضيع التي تخيف حقًا ليس لأننا لا ندرك قيمتها أو أهميتها، بل لأنه واسع والكل لا يُلقي له بالًا لكنه من الخطورة بما كان، ولأنه متصل كثيرًا بعلاقة الفرد بخالقه، ومن الأمور التي يُقاس بها إيمان الفرد وحتى جدِّية ما يقوم به من أجل أن يتقرب من اللَّه عز وجل.

على الفرد أن يتحرى الصواب والخطأ، وألا يغفل عن الحرام الذي يختبئ ويرتدي أحيانًا عباءة "هذا ليس مهمًا، أأأوف لا عليك، الكل يفعل ذلك لا تكن متعصبًا"... وغيرها من العبارات التي أفقدت الأمانة للأسف قيمتها وأهميتها في بناء الفرد السويّ، الذي غايته هي التقرب أكثر من خالقه ليصبح راضياً عنه، فتُفْتَح له نوافذ الخير ويا سعده حينها فقد نال الفوز كله .

قال اللَّه عزو جلبسم الله الرحمان الرحيم (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) 72 - سورة الأحزاب.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة