خاطرة "اكتشاف الذات".. خواطر وجدانية

من الغريب أن تعتقد أنك في الثامنة عشر من عمرك تعرف فعلًا ما تريد أن تفعله بحياتك، إذ نجد -كثيرًا منا- صعوبة في اكتشاف أنفسنا وما نحب بعد عدة سنوات من تخرجنا من المدرسة، أو حتى بعد أن أمضينا وقتًا في البحث عن فرص عمل في المجال الذي اخترناه، بصراحة، إنه لأمر فظيع أن تعمل على شيء لا تعرف ما إذا كنت تريد العمل عليه حقًا!

المشكلة هي أن العمل يستمر حتى تجد نفسك، وليس قبل أن تبدأ العمل.. منذ صغري كنت ضائعًا ولم يكن لدي أي فكرة عما كنت مهتمًّا به، قد نفترض أنا وأنت أننا نواجه المعضلة نفسها.

ولكن يوجد عدد من الأشخاص الذين وجدوا أنفسهم على الجانب الآخر من المحادثة (الأشخاص الذين يعرفون ما يريدون فعله ومن سيكونون عندما يبلغون الحادية عشرة)، هل تذكرون موقفًا عامًّا عندما قال أحدهم: «عندما أكبر أريد أن أصبح طبيبًا»، ووفى بوعده وهو في السابعة من عمره؟ نعم، تلك التي في ذهني، بعد الصحافة كانت الفنادق خياري الثاني، لكن نظرتي للعالم شرق الأوسطي واهتمامي بالأحداث الجارية في المنطقة منعاني من هذه الفكرة.

لقد درست في إحدى جامعات سويسرا وتخصصت في إدارة الفنادق، قضيت وقتًا رائعًا وقررت التخصص في إدارة الأحداث، كان تنظيم الأحداث أمرًا مثيرًا للاهتمام للغاية لي، واعتقدت أنني أصبحت جيدًا فيه، عندما عدت إلى الأردن وحاولت تنظيم فعاليات في الفندق، أدركت أنني غير مستعد لهذا النوع من العمل، شعرت بعدم الحافز للعمل باستمرار في مجال اعتقدت ذات مرة أنني أستطيع التفوق فيه.

تخليت عن حلمي في تنظيم الفعاليات وفكرت في تجربة الإعلان لسبب واحد: الانتقال إلى دبي، حيث كنت أعلم أنني سأجد وظيفة مستقرة بعد بضع سنوات، تجربتي في مجال الإعلان كانت رائعة، وكذلك بيئة العمل، لكن الوظيفة نفسها لم تناسبني كما كنت أتمنى، إضافة إلى أن تجربتي مع المدير لم تكن سهلة، ما جعلني أكره العمل في مجال الإعلان تدريجيًّا.

لقد أبهرني العمل في مركز الحدائق دائمًا، ليس فقط بسبب ساعات العمل القصيرة، ولكن أيضًا بسبب جودة العمل، كنت ألعب دائمًا مع أطفالي، في التجمعات العائلية أو أينما كنت، كانت المشكلة هي أن العمل في دار رعاية للأطفال الرضع والأطفال الصغار كان مختلفًا تمامًا عما درسته في الجامعة.

لم أكن أريد أن أشعر أن وقتي في الدراسة كان مضيعة للوقت، في الأقل كان للإعلان علاقة بما كنت أتعلمه، وكان التسويق جزءًا من المنهج الدراسي، مع قليل من الملح، قررت أن أجربه وتقدمت بطلب إلى حضانة في حين كنت لا أزال أعمل في مجال الإعلانات.. لقد تخليت عن حلمي بالانتقال إلى دبي وفي الوقت نفسه تخليت عن وظيفتي في مجال الإعلان.

كان العثور على عمل في الأردن أسهل من المتوقع، لكنه قد يكون في بعض الأحيان أكثر صعوبة، لا سيما في بعض المجالات المهنية، ومع ذلك، فقد أثبتت الشهادة الجامعية الأجنبية أنها مفيدة جدًا عند البحث عن وظيفة، وساعدتني مهاراتي اللغوية كثيرًا.

لقد أثبتُّ مهاراتي في اللغتين العربية والإنجليزية، إضافة إلى مهاراتي في اللغة الفرنسية.. إنها مهارات إيجابية في عدد من المجالات العملية، بما في ذلك الضيافة.

إن تحدي العثور على عمل في الأردن يتطلب المثابرة في البحث، عندما انخرطت في مجال الإعلام، أدى افتقاري إلى الخبرة في هذا المجال وأهمية ما تعلمته في هذه المهنة إلى جعل المهمة أكثر صعوبة.

لقد أعددت قائمة بالأماكن التي أردت التقدم إليها والتواصل معها وفعلت ذلك مدة أسبوع تقريبًا، وتابعت عبر البريد الإلكتروني لمكتب الموارد البشرية بدلًا من البريد الإلكتروني العام، للتأكد من وصول سيرتي الذاتية إلى الشخص.. في رأيي، من المهم البقاء على تواصل مع الأماكن التي نتقدم إليها، ليس فقط في الأردن ولكن في جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن مجال العمل.

بعد نحو أسبوع من البحث عن عمل، وجدت وظيفة في مركز للرعاية النهارية وأنا أعمل هناك منذ ذلك الحين، قد لا يبدو الأمر كثيرًا.

لكنني بصراحة لم أتلقَّ أي شكاوى بشأن وظيفتي في الأشهر القليلة الماضية بخلاف أنها مرهقة للغاية، بخلاف ذلك، أتيت للعمل بحماس شديد وأغادر مع الرغبة في مواصلة العمل في هذا المجال.

لكي أصبح معتمدًا في مهنتي، أكملت دورة تدريبية مدتها 7 أشهر في التعليم والتدريس للأطفال، إضافة إلى ذلك، أسست شركتي الخاصة المتخصصة في الحزم التعليمية للأطفال، والتي تتضمن طرقًا مختلفة لتعليم الأطفال مثل: أوراق العمل والكتب والبطاقات التعليمية وما إلى ذلك.

مع كل هذا أحاول أن أظهر أنني وجدت ما يعجبني حقًا، وأنني أحلم حقًا بفتح حضانة خاصة بي في المستقبل، وبعد العمل في هذا القطاع سنوات، شعرت بأنني على استعداد لتأسيس نفسي في هذه المهنة بفضل الخبرة التي اكتسبتها والدورات التي حضرتها وأحد مشاريعي الريادية، شيئًا فشيئًا تبدأ في فهم نفسك وشغفك وصبرك بطريقة أفضل.

في وسائل الإعلام، كان العمل في الغالب يتعلق بالصبر، ولكن لأنني لم أحب ما كنت أفعله، شعرت وكأنني في معركة داخلية مستمرة بشأن ما إذا كنت سأتمكن من تجاوز ذلك اليوم أم لا، بعد 4 سنوات من العمل في أحد مراكز الرعاية النهارية، أستطيع أن أقول بأمان إنني أشعر بالراحة وإنني اعتدت بطريقة ما وظيفة لم تعجبني عندما اخترت مسيرتي المهنية.

يكبر البعض منا معتقدًا أن وظيفتنا هي الشيء الوحيد الذي يحدد هويتنا، أو قد نفكر في من يمكن أن نكون أو ماذا يمكننا أن نفعل إذا لم نكن نعمل في الوظيفة التي نقوم بها، ومع ذلك فإن كثيرًا منا يسير على الأرض وهو يكره ما يفعله ولا يرى مستقبلًا آمنًا، هذه مشكلة شديدة الْخَطَر للغاية، لا سيما أن العالم والاقتصاد أصبحا أكثر قسوة مما كانا عليه عندما كان آباؤنا يقررون ما يحبونه وما يريدون فعله به لبقية حياتهم.

وهذا ليس عذرا، بل الحقيقة، إن وضعنا الحالي مؤسف، لكن جائحة فيروس كورونا جعلت الأمور أسوأ، يفقد الناس وظائفهم، سواء كانوا يحبون عملهم أو يكرهونه، كما يفقدون شغفهم بعدد من الأشياء التي كانوا متحمسين لها في السابق، وهذا يعني أن الصراع أصبح ذا شقين.

نضغط على أنفسنا كثيرًا عندما لا نعرف ماذا نريد أن نفعل بحياتنا ولأننا صغار، ما يجعلنا نفشل أسرع من الأجيال التي سبقتنا، أعرف عددًا من الأشخاص الذين غيروا مسار حياتهم المهنية أو اكتشفوا شغفهم بمهنة مختلفة خلال طفولتهم.

كنت أعتقد دائمًا أن شهادتي عديمة الفائدة، ومن وجهة نظري كان الأمر مرعبًا؛ لأن العمل في مجال لم أدرسه كان بمنزلة الانخراط في شيء لم أدرسه، لكن اكتشفت مليًّا وليس من تجربتي فحسب، ولكن من تجارب الذين من حولي كذلك، بأنك قد تبتعد عن شيء كنت تحبّه ذات يوم مع الوقت.

علاوة على ذلك، حاولت أن أدمج ما تعلّمت في الجامعة بما أعمل فيه حاليًّا، ليس بإمكانك أن تجد نفسك بأكثر من شيء واحد فقط، ولكن يمكنك أن تطمح للعظمة بأماكن عدة مختلفة حين تُسأل ويُطلب منك أن تعرِّف ما الذي يثير شغفك.

توجد كثير من الأفكار التي تخطر على بالك، وتطلَّب الأمر كثيرًا من الوقت مني لأفهم أن الأمر ليس بالسيئ، على العكس تمامًا، فما الحياة إن لم تكن تستطيع إدراك ما يجعل منك من تكون حقًّا؟

أمر آخر قد يؤثر فيك وفي قرارك بالعمل الذي تختار، هو الناس الذين تزاملهم في العمل، من المستحيل أن أكون قد نجوت من عملي في الفندقة أو في الوكالة دون الناس الذين عملت معهم، إنها مبتذلة بعض الشيء، لكن الناس هم كل شيء، عندما اشتكيت.

كانوا يدعمونني دائمًا، وكنا ندعم بعضنا بعضًا عندما أصبحت الأمور صعبة، بعد كل شيء، تقضي معظم وقتك في العمل، لذا من المفيد أن تقضيه في مكان تحبه.

لا أزال ألوم نفسي على عدم العثور على مهنة إلا في وقت لاحق من حياتي، ولكن بعد ذلك أتذكر كل تجارب حياتي وأتعلم درسًا مهمًّا للغاية: عليك أن تمر بالحياة حتى تفهمها، عندما تتعمق في الأمر، تبدأ في فهم أنه يمكنك تجاوز أشياء معينة والوجود في مكان آخر في الوقت نفسه، هذه هي الطريقة التي يعمل بها العالم، لقد استغرق الأمر وقتًا طويلًا لأدرك أن هذا لم يكن مضيعة للوقت، ولكنه عملية متتابعة لاكتشاف الذات والنضج النفسي والشعور بالانتماء إلى العالم.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
سبتمبر 27, 2023, 5:44 ص - ياسر الجزائري
سبتمبر 26, 2023, 1:36 م - سهامحمدنبيل٩٩
سبتمبر 26, 2023, 1:04 م - ليلى أحمد حسن مقبول
سبتمبر 26, 2023, 8:04 ص - سكينة أم ناصر
سبتمبر 26, 2023, 7:50 ص - د.أحمد عادل عثمان
سبتمبر 26, 2023, 6:23 ص - خلود محمد معتوق محمد
سبتمبر 25, 2023, 12:34 م - مجانة يمينة
سبتمبر 24, 2023, 6:21 م - ريم بدر الدين بزال
سبتمبر 24, 2023, 1:56 م - أنس بنشواف
سبتمبر 24, 2023, 12:21 م - مريم محمد إسماعيل
سبتمبر 23, 2023, 5:58 م - بوعمرة نوال
سبتمبر 23, 2023, 1:58 م - محمد أحمد سعيد غالب الشيباني
سبتمبر 23, 2023, 1:28 م - علاء الدين حاتم
سبتمبر 23, 2023, 11:04 ص - ميساء محمد ديب وهبة
سبتمبر 22, 2023, 11:14 ص - ميساء محمد ديب وهبة
سبتمبر 21, 2023, 2:11 م - محمد بخات
سبتمبر 21, 2023, 5:20 ص - بوعمرة نوال
سبتمبر 20, 2023, 6:05 م - صفا علي الشرقاوي
سبتمبر 20, 2023, 12:56 م - مجانة يمينة
سبتمبر 20, 2023, 5:34 ص - أسماء محمد حمودة
سبتمبر 19, 2023, 6:09 م - ياسر الجزائري
سبتمبر 19, 2023, 1:12 م - بومالة مليسا
سبتمبر 19, 2023, 8:07 ص - أنس مروان المسلماني
سبتمبر 19, 2023, 7:30 ص - أنس مروان المسلماني
سبتمبر 19, 2023, 7:11 ص - عزالعرب سلمان
سبتمبر 19, 2023, 6:14 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 18, 2023, 5:28 م - أمين عبدالقادر لطف أحمد
سبتمبر 18, 2023, 7:47 ص - سادين عمار يوسف
سبتمبر 17, 2023, 9:13 ص - مها عبدالمنعم عوض
سبتمبر 16, 2023, 4:04 م - عبد الله عبد المجيد طيفور
سبتمبر 16, 2023, 12:14 م - احمد عزت عبد الحميد محيى الدين
سبتمبر 16, 2023, 6:56 ص - رهف ابراهيم ياسين
سبتمبر 14, 2023, 7:27 م - محمود إبراهيم حفنى
سبتمبر 14, 2023, 7:03 م - زكريا عبده عمر عبده
سبتمبر 14, 2023, 11:14 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 14, 2023, 9:01 ص - صفاء السماء
سبتمبر 14, 2023, 8:53 ص - ليلى أحمد حسن مقبول
سبتمبر 13, 2023, 6:16 م - بوعمرة نوال
سبتمبر 12, 2023, 9:10 م - مايا عز العرب عزالدين
سبتمبر 12, 2023, 8:36 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 12, 2023, 7:28 ص - شروق محمد العمري
سبتمبر 11, 2023, 6:11 م - بوعمرة نوال
سبتمبر 11, 2023, 5:48 م - أ . عبد الشافي أحمد عبد الرحمن عبد الرحيم
سبتمبر 11, 2023, 11:19 ص - صفاء السماء
سبتمبر 11, 2023, 11:00 ص - البراء القاضي
سبتمبر 11, 2023, 9:35 ص - هاني ميلاد مامي
سبتمبر 11, 2023, 6:13 ص - ايمان مسعد الحربي
سبتمبر 10, 2023, 6:27 م - مصطفى ضياء
سبتمبر 10, 2023, 5:48 م - محمد بخات
سبتمبر 10, 2023, 4:24 م - جود معاذ الرفاعي
سبتمبر 10, 2023, 2:12 م - محمد محمد الملاحي
سبتمبر 10, 2023, 1:36 م - أنس مروان المسلماني
سبتمبر 10, 2023, 11:47 ص - بوسلامة دعاء خولة
سبتمبر 10, 2023, 11:09 ص - رمضان سعيد احمد حامد
سبتمبر 10, 2023, 7:06 ص - ياسر حسين
نبذة عن الكاتب